إذا قصد الإنسان الصوم ونواه، واتبع هذا القصد بالإمساك أو الكف عن المفطرات من أذان الفجر إلى أذان المغرب، فصومه صحيح ومبرئ لذمته، ويعتبر عند الفقهاء مؤديا لما عليه من التكليف الشرعي المأمور به، لأن ما أتى به مخرج له من عهدة التكليف.
هكذا يقول الفقهاء حين يتحدثون عن الصوم الصحيح، وإلى هنا يحق لهم أن يتكلموا، ليبقى أمر قبول هذا الصيام ورفضه بيد الله سبحانه وتعالى، فليس كل صوم صحيح يكون مقبولا عند الله، وهذا ما يفسر دعاءنا الدائم لله سبحانه وتعالى أن يتقبل أعمالنا بأحسن القبول.
هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تتحدث عن قبول الله لأعمال العباد أو رفضها وهي كبقية آيات القران جديرة بالاهتمام والتأمل «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» (المائدة:27). «أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ» ( الاحقاف:16). وحين بدأ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام رفع القواعد من البيت كان دعاؤهما هو أن يتقبل الله هذا العمل بقبوله الحسن «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (البقرة:127). وكذلك حين نذرت امرأة عمران ما في بطنها لله سبحانه وتعالى رجت القبول «إِذْ قَالَتِ امْرَأَة عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (ال عمران:35) وأجابها الله بالقبول «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ»(آل عمران:37).
وكان رسول الله (ص) إذا أراد الإفطار دعا ربه بقوله «اللهم لك صمنا وعلى رزقك افطرنا، فتقبل منا، ذهب الظمأ وابتلت العروق وبقي الأجر».
إن من توفيقنا في هذا الشهر المبارك أن نجتهد لننال شطرا من تقوى الله، وأن لا ينقضي عنا شهر رمضان إلا ونحن أقرب للتقوى لتكون أعمالنا وعباداتنا مقبولة ومرضية عند الله.
إن الأعمال الصالحة والفروض العبادية يمكنها أن توصلنا إلى التقوى، ولو أخذنا الصوم مثالا، فإننا سنصل إلى التقوى إذا ما أتينا بفريضة الصوم وبدأنا نصوم لله ونحن نتأمل في أنفسنا وفي سلوكياتنا الخارجية، بمعنى أن نصوم لله ونحن نتفكر في استثمار الصيام باتجاهين:
الأول: مساره إلى داخل النفس، حيث نؤكد في نفوسنا الإخلاص لله، والتحكم برغباتها وشهواتها، وضبطها بقوانين العبودية لله، وزرع اليقين الثابت فيها، والإيمان بغفرانه، وتجاوزه عن أخطاء عباده ومعاصيهم حتى لا يتمكن الإحباط واليأس من نفوسنا، فنحرمها ألطاف الرب ومغفرته في شهر العروض والتخفيضات الإلهية.
والثاني: مساره باتجاه الخارج لتتحول التقوى إلى علامة و سمة من سمات حياتنا اليومية مع أبنائنا وأزواجنا وأولادنا وأعمالنا وأماناتنا، تحول بيننا وبين أن نعتدي على حقوق الناس وكرامتهم، لنحفظ نفوسهم ودماءهم وأموالهم وأعراضهم في السر والعلن، وتمنعنا من الكذب والخيانة والازدراء والتعالي على الخلق وتجعل نظرتنا معتدلة للجاه والمكانة والمال والثروة والجنس والشهرة وأمام مغريات الحياة وفتنها.
لست بعد ما ذكرت في وارد الحديث عما يجب على الصائم العمل والالتزام به من برامج شهر رمضان المبارك، فإذا كان الله سبحانه وتعالى لا يتقبل إلا من المتقين، وإذا كان الهدف من الصيام هو التقوى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(البقرة:183).
فإن أيام الصيام هي رحلة الكمال والعروج بالنفس كي ترتقي حتى تصل إلى التقوى.
سل نفسك أيها الصائم (في عقل وروية) دون أن تؤثر عليك عادات الناس، وتقاليد المجتمع، وإعلانات المحطات الفضائية، أي الانشغالات النهارية الرمضانية هي خير للصائم ومقربة له للتقوى؟ وأيّ السهرات الليلية هي طريق الوصول إلى هذه الملكة؟ وأيّ القنوات الفضائية والبرامج التلفزيونية تنسجم مع أهداف شهر رمضان؟
إذا لم تشأ أن تغير برنامجك الذي اعتدته طوال العام، فحاول أن تضيف إليه شيئا يسيرا من برامج التقوى وما يعين على الوصول إليها، سأكتفي في مقالي هذا بما ذكرت ولربما أتطفل عليك ببعض المقترحات في المقال القادم إنشاء الله... صيام مبارك وكل عام وانتم بألف خير.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 1837 - الأحد 16 سبتمبر 2007م الموافق 04 رمضان 1428هـ