قبل حوالي أسبوعين من حلول شهر رمضان المبارك، حيث تزدحم الأسواق ويتهافت الناس لشراء احتياجاتهم الاستهلاكية في محلات السوبرماركت، كان من المتوقع والصائب منطقيا لدي أن أشاهد أحد أصحاب الأخدود المعيشي، أي أحد المنتمين إلى الفئة الغالبة من المجتمع البحريني، وقد أوشك على أن يقترب من دفع ثمن عدد من علب بودرة الحلوى الجيلاتينية عند إحدى مناضد الدفع المكتظة إلا أنه سرعان ما تفاجأ بسعر هذه العلب المتضاعف عن ما كان عليه قبل عام تقريبا حتى غير رأيه الاقتصادي على الفور أمام مرأى أطفاله الصغار واكتفى فقط بـ «حبتين»، ولربما وعدهم صادقا في مرات قادمة أن يشتري لهم «حبات» أخرى في حال تفوقوا وأثبتوا جدارتهم!
ومن الطبيعي جدا أن يكون هذا المشهد وغيره من المشاهد بمثابة الحالة المعبرة عن أوضاع المواطنين وفواجعهم الاقتصادية التي يلوذوا بها لمواجهة الأعياد والمناسبات الكريمة التي سرعان ما توشك أن تنقلب إلى مآتم للمعاناة بسبب ضيق اليد وشح الرزق بدلا من أن تظل مناسبة للفرح واستلهام الخلاص المؤقت من هموم الحياة وكدرها، فكأنما حال المواطن بضيق رزقه وحصاده وشح راتبه وتواضعه مع هلال رمضان أو هلال العيد أو حتى هلال العودة إلى المدارس، كحال الهشيم المتقصف مع المناجل الحاصدة له حصدا مبينا، فكيف إذا ما أضيف لتفاعل البؤس وقطاف التعاسة ذاك شيء من «باكنغ باودر» التضخم السعري الصاعق الذي لم تجد نفعا معه محاولات بعض المسئولين ورجال الأعمال في التقليل من شأنه بعد أن فرض هيبته واحترامه على الجميع، فلم تعد تحجبه جميع «بشوت» الدنيا!
ونظرا لما تلعبه الأوضاع الاقتصادية المعيشية السيئة للمواطنين المتناقضة مع يشار إليه بالبنان من عوامل وملابسات ازدهار اقتصادي ونمو حقيقي، وذلك من أعظم الأثر السلبي على استمرارية الاستقرار والتوازن الاجتماعي بسائر صنوفه وأشكاله، وما تؤدي إليه من حدوث اضطرابات وأزمات في حينها ستكون مشفوعة بذلك البؤس، أكانت تلك الأزمات مرجعها «تسييس» وتسخير سياسي منتبذ ومتربص أو حتى وجود وتكون وعي سياسي حقيقي بمطرقة وسندان الضنك المعيشي، لذلك وبسبب جميع تلك المخاوف المعتبرة كان لوجود حل ولو كان مؤقتا قبل أن يكون بنيويا لتلك المشكلة أمرا لازما وضروريا لإيقاف النزيف المعيشي المتواصل على حساب العافية المعيشية لغالبية المواطنين والحيلولة من الوقوع في أنيميا اجتماعية مدمرة للأوطان، وهو ما أدى في حد ذاته إلى طرح خيار زيادة الرواتب وتحسينها للتخفيف على المواطن معيشيا في مواجهة موجة التضخم والغلاء المعيشي تلك وهو ما يأتي دون شك ضمن أبسط حقوق المواطنين وأولى واجبات الدولة تجاههم.
وقد أدى طول الاستبشار بزيادة الرواتب الموعودة من قبل عدد كبير من المواطنين بين متيقن وآخر متشكك ومرتاب والبعض قد فقد الثقة تماما إلى استمرارية وضعية التطير بما ينشر من تصريحات صحافية متعددة وما يتسرب إلى منابر الصحافة من وجود نية رسمية لزيادة الرواتب، ولكن مع استمرار الإبداع والإتباع البيروقراطي من قبل الجهة المعنية كاد أن يتغلب معسكر المرتابين وفاقدي الثقة من المواطنين على معسكر الموعودين، وما أكثرهم من بحرينيين موعودين بالجديد، الأمر الذي أدى إلى قلق واستياء كبير من قبل بعض النواب الذين رأوا في استعسار مخاض الزيادة ما يهدد التجربة البرلمانية في حد ذاتها ويفقدها ثقة واعتبار المواطن وهو الأمر الأهم، حتى إذا ما أوشك الفرج النسبي أن يأتي حاملا معه تطمينات وبشارات رسمية من أعلى المستويات تنفسوا الصعداء!
ولعل أكثر البنود أهمية وحساسية لدى المواطن البحريني الموعود برحمة الخير الموجود وتحت طائلة السعر الممدود هو على وجه الإنعام والتحديد ما يتعلق مباشرة بآلية ومعيارية صرف هذه الزيادة، وما إذا كان هذا المواطن من «المفلحين» الذين ستنالهم هذه الزيادة أم خلاف ذلك!
ففي خضم الحديث الدائر حول هذه الزيادة المرتقبة والمقدرة بــ «15 %» من الراتب، والتي يستحق المواطن البحريني أكثر من ذلك التواضع النسبي بكثير، من حق المواطن أن يتساءل إن كان سيتم صرف هذه الزيادة المرتقبة بنسبتها المعلنة على جميع موظفي الدرجات الدنيا والاعتيادية بشكل متساو، وهو ما قد ينذر بمحدودية الفائدة الحقيقية العائدة على أصحاب الرواتب والدرجات الدنيا من هذه الزيادة في مقابل وجود نوع من أثر الترضية الملائمة والوديعة من هذه الزيادة على أصحاب الدرجات الاعتيادية الأعلى؟!
أم سيكون هنالك توجه لمعالجة مثل هذا الخلل في المردود المتواضع نسبيا لأثر الزيادة في الرواتب والدرجات الدنيا، وذلك عبر استبدال المعيار النسبي للزيادة في الراتب بتبني خيار فرض مبالغ موحدة تأتي كزيادة ثابتة مقدارا على جميع رواتب الموظفين من أصحاب الدرجات الاعتيادية في الدولة، وهو وإن أدى إلى تحقيق التطمين والانتعاش النفسي لأصحاب الرواتب والدرجات الدنيا إلى أن أثره سيكون في حد ذاته محبطا ومخيبا لمن هم في أعلى سلم الدرجات الوظيفية المشمولة بالزيادة والتي ليس من الضرورة الموضوعية أن تكون ظروفهم المعيشية والاقتصادية أفضل ممن هم في أسفل السلم وذلك لاعتبار خطيئتهم الممثلة في كون أقدميتهم وسنين خدمتهم الطويلة أو في كون درجاتهم ورواتبهم أعلى من غيرهم، وهو ما يشبه في حد ذاته بالعدالة السلبية المثبطة المبررة باللجوء إلى التعامل بمنطق الربح والخسارة والمتاجرة من قبل الحكومة والدولة الساعية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التوفير مع يرتبط مصيريا بمطالب شعبها العادلة وقضاياه!
ولكن مع ذلك قد يكون في اعتقادي بأنه من الأفضل لو يستقر الرأي الراجح على اعتماد مبدأ فرض النسبة «15 %»كزيادة في الراتب على أن يكون هذا الخيار متضافرا ومتكاملا مع خيار أساسي آخر يرتبط برفع جوهري لأصحاب الأجور الدنيا في قاعدة سلم الدرجات الوظيفية إلى حد أدنى لا يقل عن 300 دينار بحريني وهو المبلغ الذي يراه بعض الاقتصاديون أقل ذخيرة نقدية واقعية ممكنة وأفضل عدة متواضعة للتأقلم والتكيف مع الظروف المعيشية الحالية، فعلى من سيقع الاختيار؟!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1837 - الأحد 16 سبتمبر 2007م الموافق 04 رمضان 1428هـ