شرعت وزارة التربية والتعليم أخيرا في مشروع دمج ذوي الاحتياجات الخاصة، في المدارس الحكومية. وهي نقلةٌ مهمةٌ على طريق دمجهم وفقا لأحدث النظريات التربوية الحديثة في الغرب.
وزارة التنمية الاجتماعية هي الأخرى قامت بخطواتٍ جيدةٍ في مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، بينما سعت وزارة العمل إلى تشجيع حصولهم على فرص عمل، في سوق تشهد تنافسا بين العمالة الوطنية والأجنبية في مختلف القطاعات.
بالنسبة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، هناك المكفوفون، وذوو الإعاقة الحركية، وهناك الصم. وكل من يحتك بهذه الفئات سرعان ما سيدرك أنهم بحاجةٍ إلى رعاية خاصة في التعليم، وإلى اهتمامٍ بتسهيل أمور حياتهم مراعاة لظروفهم الخاصة. وهذه الفئات تتمتع بحساسية عالية عندما يجدون أنفسهم موضوعا للشفقة والعطف، وكثيرا ما تسمعهم يرفضون أن يُعاملوا بصورة تنم عن شفقة، وهي قضيةٌ لا تعالج إلا بزيادة الوعي الاجتماعي والحقوقي.
البحرين تشهد حراكا إيجابيا في هذا الحقل، حكوميا وأهليا، فهناك جمعيات مهتمة بمختلف الإعاقات، يقوم عليها أحيانا أولياء الأمور أو أصدقاؤهم، أو المهتمون والمتطوّعون من محبي العمل الخيري. وكما هذا الاهتمام يبشر بخير على هذه الفئات وأهليهم، من حيث الخروج من طوق العزلة إلى الاندماج في أنشطة المجتمع وفعالياته، والمشاركة في الإنتاج. وهناك نماذج مشرفة من المعوقين حركياَ وبصريا، استطاعت أن تشق طريقها للنجاح وإنهاء دراساتها الجامعية، وتكوين أسر مستقرة سعيدة.
هذا الإنجاز المشرف تشذّ عنه فئة الصم قسرا، فأبواب التعليم النظامي تسد أمامهم رسميا بعد المرحلة الإعدادية، وبالتالي لا يكون أمام الأصم الطموح أن يحلم بإنهاء دراسته الثانوية، فضلا عن الالتحاق بالجامعة. وتحصيل حاصل أن تنتهي حياة مئات الصم من الجنسين، إلى قاع المجتمع، ثقافة وعلما ومستوى معيشيا. وإذا كان غالبية هؤلاء من الطبقات الفقيرة، لظروف صحية واجتماعية معروفة تاريخيا، فإنهم مترشحون للمساهمة في إعادة إنتاج الفقر مع كل زيجة جديدة.
وزارة التربية والتعليم شرعت في عملية دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس، وهي خطوة إيجابية تماما تستحق كل الدعم والتشجيع، وبالمقابل يجب أن تكون على رأس أولوياتها فتح باب الدراسة الثانوية للصم، فعندما تقرأ كتاباتهم ستلاحظ أن لغتهم ضعيفة وتفتقر إلى الترابط، حتى على أبسط المستويات، كالرسائل الإلكترونية أو الهاتفية.
هذا الواقع المؤسف دفع مثلا «جمعية الصم البحرينية» إلى أخذ زمام المبادرة لوضع منهج تعليمي موازٍ للتعليم الثانوي، بالتعاون مع كوادر محلية متخصصة، وبالاستفادة من التجربة السعودية في هذا المجال، وهي مبادرةٌ تشكر للجمعية، ولكنها ستبقى محدودة الأثر نظرا لمحدودية إمكانات الجمعية، فهي تحتاج إلى قدرات مالية وتعليمية أضخم.
فئة الصم اليوم بحاجةٍ إلى خطة إنقاذ عاجلة لتدارك ما فات، وهي خطوةٌ تأخّرت كثيرا، حتى زملاؤهم المكفوفون والمعوّقون حركيا سبقوهم، دراسيا وثقافيا ومعرفيا ومعيشيا، بينما لم يُسمح لهم بولوج عتبة التعليم الثانوي.
هذه المبادرة الطيبة تحسب للجانب الأهلي الذي تبناها، ولكن يبقى دور وزارتي التربية والتنمية، فهما مدعوتان لمباركة وتشجيع هذه المبادرات، على أن تبدأ التربية بتبني مدّّ مظلة التعليم الثانوي ليشمل الصم، وهو من أوجب الواجبات
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2270 - السبت 22 نوفمبر 2008م الموافق 23 ذي القعدة 1429هـ