تفاقم ظاهرتي القرصنة وتجارة المخدرات في كل من الصومال وأفغانستان لم يأت من فراغ بل جاء نتيجة لسياسات غربية خاطئة تجاه هاتين الدولتين وذلك بإجهاضها وعدم الإستفادة من تجربة حكومات كانت إلى عهد قريب تسيطر على الأوضاع الأمنية في كل من البلدين، وكانت قادرة من خلال أنظمتها المحلية على القضاء على العصابات الإجرامية كما هو حاصل في الصومال ومهربي ومروجي المخدرات كما في أفغانستان.
فالقرصنة قرب سواحل الصومال لم تكن على هذا النحو الجنوني بحيث تتعرض نحو 95 سفينة إلى عمليات اعتداء في عام واحد.
ففي منتصف العام 2006 حينما كانت المحاكم الإسلامية تبسط سيطرتها على وسط وجنوب الصومال بما فيها العاصمة مقديشو اختفت القرصنة والنهب المسلح وقطع الطرق وتجارة المخدرات بصورة شبه كاملة ولمدة ستة أشهر هي فترة بقاء الإسلاميين في سدة الحكم قبل أن تنبري السياسة الأميركية المتعجرفة والرافضة لكل ما هو إسلامي أو ذكر للشريعة الإسلامية لدس المكائد والتحريض على المحاكم الإسلامية والإيعاز إلى الإثيوبيين بالتدخل العسكري المباشر لتطيح بالتجربة ولتعود الفوضى من جديد.فالقرصنة على ناقلات النفط والسفن التجارية عموما بلغت أقصى خطورتها في خليج عدن، وحتى على بعد أكثر من 800 كيلومتر في المحيط الهندي رغم وجود مجموعة كبيرة من الأساطيل الدولية من حلف شمال الأطلسي «الناتو» وروسيا والهند والصين وغيرها. ولهذه الظاهرة آثارها السالبة والعاجلة على التجارة الدولية، إذ ستضطر الجهات المالكة للناقلات التجارية إلى دفع مبالغ طائلة للتأمين عليها علاوة على التفكير في الإبحار عبر خطوط ملاحية أخرى بعيدا عن منطقة القرن الإفريقي، على سبيل المثال عبر رأس الرجاء الصالح ومن ثم المحيط الهادي، مما يكلفها وقودا ووقتا أكثر، وينعكس ذلك على أسعار السلع والبضائع. وستتضرر بعض الدول المطلة على البحر الأحمر في عائداتها من الموانئ والقنوات المائية. فبالأمس فقط أعلنت مصر تراجعا في عائدات قناة السويس خلال شهر أكتوبر/ تشرين أول الماضي مقارنة بشهر سبتمبر/ أيلول بحدود مليوني دولار. وقال رئيس هيئة قناة السويس إن هناك تراجعا في معدلات البضائع العابرة للقناة.ليس هذا فحسب فربما سيكون للقرصنة آثارها الأمنية الإستراتيجية على المدى الطويل على دول القرن الإفريقي وتلك المطلة على البحر الحمر إذ يعكف الأوروبيون والأميركيون على تشكيل قواعد دفاعية بحرية مشتركة دائمة، مما يفقد تلك الدول السيادة على مياهها الإقليمية وبالتالي يمكن للأساطيل الدولية شن هجمات محتملة داخل الدول المطلة إن هي خالفت سياسات الدول العظمى، كما يحدث الآن مع باكستان التي تتعرض لهجمات أميركية شبه يومية من أفغانستان المجاورة.
وبالعودة إلى رواج تجارة المخدرات في أفغانستان تقع اللائمة والمسئولية في ذلك أيضا على التدخل الأميركي السافر في هذا البلد والإطاحة وعدم الاستفادة من تجربة حكم حركة طالبان المتعلق بالقضاء على تجارة المخدرات بعد أن كانت هذه الحركة مسيطرة على الأوضاع الأمنية وتغلبت على هذه الظاهرة بتطبيقها لأحكام الشريعة الإسلامية على المروجين والمتعاطين للمخدرات، ولكن في العهد الحالي لحكومة حامد قرضاي تضررت حتى الدول الغربية من المخدرات المهربة من أفغانستان رغم وجود جيوشها المدججة بكل أنواع الأسلحة وطائرات التجسس.
إذا السياسة الأحادية الأميركية القائمة ليس فقط على إجهاض الحكومات المناوئة للولايات المتحدة بل القضاء أيضا على بعض التجارب الصحيحة التي اتسمت بها هذه الأنظمة هي المسئولة عما آلت إليه الأمور من فوضى غير خلاقة في المنطقة والتي بدورها تكلف الخزانة الأميركية مبالغ ضخمة لإصلاح الوضع من دون جدوى. ولذلك على المجتمع الدولي مساعدة الصوماليين في التوصل إلى مصالحة وطنية لا تستثني أحدا، سواء إسلامي أو علماني، ومن ثم تشكيل حكومة مركزية قوية تستطيع القضاء على القرصنة «فأهل مكة أدرى بشعابها».وبشأن أفغانستان يجب تشجيع سياسة التفاوض مع طالبان وتقديم بعض التنازلات وإن تضمنت سحب القوات الدولية من البلاد كشرط لجنوح الحركة الإسلامية للسلم ونبذ الإرهاب. وبهذه الخطوات تستطيع الدول الغربية إصلاح ما أخطأت فيه بحق هاتين الدولتين وشعبيهما
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2270 - السبت 22 نوفمبر 2008م الموافق 23 ذي القعدة 1429هـ