العدد 2270 - السبت 22 نوفمبر 2008م الموافق 23 ذي القعدة 1429هـ

مجرد تصور لخيارات

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مرة أخرى تدحض الحقائق وأرقامها وتفاعلاتها كل تصريحات المسئولين الذين حاولوا انصياعا لأوامر سياسية عليا إشاعة الطمأنينة في قلب المواطن الخليجي، من خلال إدعاءات وهمية، «بمتانة الاقتصاد الخليجي...».

تكفي العودة إلى تقارير رصينة وموثوق بها من نمط «غلوبل» و «إنفست بنكنغ»، التي نشرتهما صحيفة «الوسط» وصحف خليجية أخرى، كي يجد المواطن الخليجي ما يزوده بذخيرة من المعلومات والحقائق التي تؤكد أن موجات الأزمة بدأت تلطم شواطئه، وبشدة، ربما تفوق تصوراته، وتضرب عرض الحائط تلك التطمينات التي لم تعد قادرة على الصمود، والتي أصبحت اليوم بما يشبه المسكنات التي تجاوزت تواريخ صلاحيتها.

فكما أكدت تلك التقارير فإن «سوق الأسهم البحرينية خسرت من قيمتها السوقية نحو 3.6 مليارات دولار منذ مطلع العام. ومثل دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى استحوذ قطاعا الاستثمارات والبنوك على القدر الأكبر من الانخفاض». أمام هذه الحالة ستجد مؤسسات صنع القرار نفسها أمام 5 خيارات استراتيجية عليها أن تختار، أو بالأحرى أن تلجأ إلى واحد منها، أو مجموعة متكاملة منها.

أول تلك الخيارات، هو الاستسلام للأمر الواقع، واعتبار الأمر قدرا محتوما. ولن يتجاوز موقفها ردود فعل آنية قادرة على بث الطمأنة في النفس لفترة قصيرة وفي نطاق ضيق.

الخيار الثاني، هم الاستمرار في سياسة الطمأنة والإصرار على إدارة الظهر للأزمة، متكئين على أوهام توافر السيولة النقدية، وغارقين في أحلام احتمال عودة الارتفاع إلى أسعار النفط، من دون الالتفات الجدي نحو أي مصدر دخل آخر من شأنه تنويع الاقتصاد وتقليص نسبة الاعتماد على المداخيل النفطية.

الخيار الثالث، هو اللجوء إلى حلول جزئية تعالج بعض ذيول الأزمة، من دون تحول من ازدياد تفاعلها أو أن تمنع تشعبها بما يمس مختلف قطاعت الاقتصاد الأخرى: النفطي، المالي، الإنشاءات والعقار، لتفقد تلك الحلول قدرتها على التأثير، نظرا إلى عدم شموليتها من جهة، ولعجزها عن وضع الحلول الشاملة من جهة ثانية.

الخيار الرابع، الاستعانة ببعض بيوت الخبرة العالمية، ليس من أجل الخروج بحلول، بقدر ما هو البحث عن أدثرة إعلامية قادرة على تغطية العورات وستر الثغرات، وكلها تصب في خانة إيجاد أفضل المسكنات التي مهما بلغت درجة فاعليتها تبقى مجرد مسكن اكثر مما هو دواء.

الخيار الخامس، هو مصارحة المواطن كجزء من مصارحة النفس، والاعتراف بأننا جزء من الاقتصاد العالمي، وما يمسه يصيبنا، نستمتع مع الآخرين بقطف ثمار مراحل الانتعاش، ونكتوي معهم بلسعات ألسنة الأزمات والتراجعات، من دون أن يكون ذلك مصدر ادعاء مفتعل ولا مبررا لتحاشي إجراءات الوقاية في إطار مرسوم الحدود وواضح المعالم.

منطق الأمور يقول إن الخيار الخامس هو المطلوب والاتجاه الذي ينبغي أن يسارع المسئولون لسلك دربه قبل فوات الأوان وقبل أن تستفحل الأزمة فيصبح علاجها أغلى ثمنا ويحتاج إلى وقت أطول. والمطلوب هنا نزول أصحاب القرار من أبراجهم العاجية أو التوقف عن النظر إلى المرآة يوميا كي تردد على مسامعهم كيلا من المديح غير الواقعي. المطلوب اليوم الصحوة الحقيقية من غيبوبة الطفرة النفطية والالتفات الجدي لمعالجة الاقتصاد الوطني على المستوى القطري أو حتى على المستوى الإقليمي الخليجي.

والخطوة الأولى على مثل هذه الطريق الاقتناع بأن المواطن العادي يشكل أحد أركان حل الأزمة وعنصرا أساسيا في مواجهتها. ومتى ما اقتنع المسئولون بصحة ذلك، فأول إجراء سيجدون أنفسهم مقتنعين بجدواه هو التوقف عن تجيير أجهزة الإعلام والمؤسسات ذات العلاقة من بنوك مركزية وإدارات تنمية كي توقف سيلها الإعلامي الأجوف الذي ليس لديه أي عمل سوى عقد الندوات وإقامة المؤتمرت التي لا تقول أكثر من «طمأنة الناس وشراء ذممهم».

إذا ما خطا المسئولون هذه الخطوة فسيجدون أمامهم المواطن الواعي الجاد والمسئول والقادر على أن يكون جزءا أساسيا من ضحايا الأزمة، لكن، وبالقدر ذاته، عنصرا استراتيجيا من عناصر التصدي لها والحيلولة دون اتساع نطاق سلبياتها.

بالطبع، تبقى، تلك الخيارات مجرد تصورات أولية، لا تتجاوز حدودها إطار الإشارات الأولية على طريق حل أزمة مدمرة بحاجة إلى أكثر من تصورات، وما هو أعمق من مجرد خيارات، وهذا ما يتوق المواطن إلى رؤيته وتلمسه في أقرب فرصة ممكنة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2270 - السبت 22 نوفمبر 2008م الموافق 23 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً