إنه تحول مهم وملحوظ في الحراك الداخلي الإيراني من دون ترديد أن يصبح الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني رئيسا لمجلس خبراء الدستور، ورفسنجاني الذي يصفه المحافظون دوما بأنه تاريخ الثورة ووصفه زعيم الإصلاحيين الرئيس خاتمي ذات يوم عاصف من أيام نزاع رهطه المتشدد معه بأنه بطاقة تعريف الثورة ويصفه خصومه الدائمين دوما بأنه ثعلب السياسة والفكر! رفسنجاني الذي برز دوما بمثابة ملك اللعبة: في الحراك الداخلي الإيراني في كل مراحل الثورة الإيرانية أو رجل كل الفصول من أيام مجلس قيادة الثورة الأولى إلى عرش الزعامة الذهبي الراهن إنما يكمن سر بقاءه بمثابة بيضة القبان باستمرار مهما كانت وضعية الحدث لإيران، إلى أنه عشق دوما ولايزال دور الموازن بين القوى والحريص على الوجود والحضور في كل المواقع مديرا للصراع من دون إراقة ماء وجه أحد ناهيك عن دمه أو كسر عظمه! إنه الرجل الذي لم يؤمن يوما بوجود تناقضات مستحيلة الجمع بل آمن ولايزال على العكس من ذلك بأن كل شي ممكن في عالم السياسة! شرط أن تبقى عين اللاعب دوما على المبادئ الأساسية للثورة والوطن والدين بمثابة المظلة التي تحميه وهو يلعب لعبه القط والفأر مع الخصم الخارجي دون إفراط أو تفريط ولعبة توازن القوى في الداخل على قاعدة لا جبر ولا تفويض أنما هو أمر بين أمرين! الرجل الذي يبدو اليوم وكأنه الأكثر تأهيلا.
حسب بعض العارفين ببواطن الأمور على رغم كل ما جرى له أو من حوله أن يفتح ثغرة حقيقية في جدار انعدام الثقة بين طهران والعالم الغربي، يجلس اليوم مجددا على ناصية الزعامة لمجلس يفترض أنه المسئول عن اختيار المرشد وتعيينه ومن ثم الأشراف على بقاء الشروط التي تمكنه من استمرارية توليه لسدة القيادة! أول ما قام به الرئيس رفسنجاني هو الإعلان الصريح والذي لا لبس فيه بأن سعيه الأول سيكون باتجاه تفعيل دور هذا المجلس لكنه سرعان ما استدرك بذكائه وحنكته المعهودين أن المهمة الأولى أي اختيار المرشد وتعيينه لن تحصل في عمرنا لأن المرشد الحالي أكثر شبابا وأكثر حيوية منا وهذا اعتراف صريح بالواقع وبلعبة التوازن الضرورية لاستمرار المهمة أيضا فالرجل أصغر منه سنا وأكثر أمساكا بتلابيب موازين القوى الداخلية، كما أثبتت الحوادث من دون منازع! غير أنه عاد واستدرك من جديد بالقول إن من واجبات مجلس الخبراء الأخرى الأشراف على الذين يعملون تحت سلطة المرشد وهنا قد يكون بيت القصيد في قوله إنه سيسعى جاهدا إلى تنشيط دور مجلس الخبراء! لأن هذا سيعني الإشراف والتأكد بأن كل شيء يجري على ما يرام في المهمات التشريعية التي يتقاسمها مجلس الشورى الإسلامي صيانة الدستور والأخير يعين نصف أعضائه المرشد كما هو معلوم ومن ثم أيضا الإشراف على المهمات التنفيذية أي القوانين التي تسنها الحكومة وتنفذها هي ومجلس الأمن القومي الأعلى وكلاهما لا يعملان.
كما يفترض إلا بما يبلغان به من السياسات العليا عبر مؤسسة القيادة المكلفة برسمها وإبلاغها لهما باستمرار وهي المهمة التي تدون بدورها في لجان متخصصة تابعة لمجلس تشخيص مصلحة النظام الذي وإن كان يرأسه رفسنجاني حاليا إلا أن من مهام مجلس خبراء القيادة الإشراف على عمل هذا المجلس أيضا بما يخص المهام المحولة إليه من المرشد! الأمر نفسه ينطبق على سياسات حرس الثورة الإيراني بالسياقات الأنفة الذكر نفسها مع العلم أن مهام إعلان الحرب والسلام والنفير العام هي من صلاحيات المرشد والذي هو القائد العام للقوات المسلحة طبقا للدستور. وتنشيط دور مجلس الخبراء للقيام بكل ما أشير إليه أنفا سيعني فيما يعني استحداث آليات معينة جديدة تقوم بهذه المهمة على ما يرام من دون إفراط أو تفريط! إنها لعبة توازن القوى الدقيقة والشديدة الحذر تعود مرة أخرى بين الرجلين الصديقين الحميمين على مدى نحو نصف قرن من العمل المشترك والاقرب إلى بعضهما بعضا لكنهما الأكثر تجرؤا على بعض أيضا! رفاق درب الحرب والسلام جربا بعضهما بعضا في أكثر من محطة عصيبة ولم يفترقا إلى حد التباعد لكنهما لم يتطابقا دوما كذلك! أنه تقاسم الأدوار حينا وتداولها حينا آخر وتداخلها أو احتكاكها في لعبة حراك الدولة والمجمع الإيراني الشديد الحساسية والتعقيد في بعض الأحيان!
لكن لعبة توازن القوى هذه المرة قد تعني فيما تعني وفي هذه المرحلة الدقيقة من الوضع المحيط بالبيت الداخلي، بأن المطلوب تحركات أكثر شفافية من قبل الرجل الذي يوصف برجل كل الفصول أي الشيخ الرئيس وهو سرعان ما بدأ يظهر على لسان الرجل بصراحة وتفصيل منذ توليه رئاسة المجلس الجديد عندما أسهب في شرح الخطوات التي يعد لها على طريق «مأسسة» مجلس خبراء القيادة وجعله أكثر حضورا في المشهد السياسي العام، كما قال! كما تتطلب «سعة صدر» بمساحة العالم هذه المرة وليس بمساحة إيران وحدها من قبل ربان السفينة وقائد الحرب والسلام، ذلك حجم التحديات والمهمات المتوقعة أمام الثنائي القديم الجديد أصبحت أكبر من الوطن الذي يعشقانه سويا بالقدر نفسه وغير محصور بالدائرة الدينية التي شربا من معينها سويا.
أكتب هذا وأنا أعرف عن قرب بأن الرجل الأول وصاحب كلمة الفصل في الحرب والسلام أكثر تحمسا من سائر أعضاء مجلس الخبراء لفكرة القيادة الجماعية وأنه كان صاحب هذا الاقتراح في لحظة رحيل القائد المؤسس كما أعرف جيدا بأن الشيخ الرئيس لم يكن ولن يكون يوما على استعداد للتفريط بعقد الصداقة ولا بعقد الوطن والدين الذي يربطه مع الرجل الأول أكثر من أي شيء أخر لكنني مع ذلك أقول بأن التفاصيل الإضافية الجديدة والمستجدة على ساحة الوطن والفكر الديني في اتساع متنام وأحيانا بلا حدود ما يجعل المهمة أكثر صعوبة من ذي قبل!
ومع ذلك أقول للذين ضخموا الحدث أكثر مما ينبغي خصوصا من جانب أولئك الذين يبحثون عن دور على مائدة الآخرين لاسيما أولئك الذين «مزقوا» من وصفه رائدهم بـ «بطاقة تعريف» الثورة من دون أن يرف لهم جفن، بأن الشيخ الرئيس أبعد نظرا مما تتصورون وأكثر حنكة مما تعتقدون وأكثر وفاء مما تظنون وبالتالي لن يكون سلما لصعود الآخرين! وإما للذين قللوا من قيمة الحدث لاسيما أولئك الذين اعتادوا على اللعب في الدوائر الضيقة ولا يملكون من الرؤية أبعد من أنوفهم، بأن الرجل الذي تحسدون ومنه تغارون أو من صعوده تتهيبون، هو أبعد مما في خيالكم ترسمون!
أنه الرجل الذي أحرص ما يكون على الثوابت في عالم الدين والوطن والوفاء نعم، ولكن عندما تستنفره المهمات المستحدثة التي تتطلب التضحية من أجل الدين والوطن والوفاء بالذات سيكون في طليعة رواد الإصلاح والتغيير، فالرجل كما عرفه العارفون عندما تستمع إلى دقات قلبه تقول عنه بأنه الحصن الحصين لتيار من يوصفون بالمحافظين بالفعل لكنك إذا ما اقتربت إليه أكثر وراقبت مسار تنفسه سرعان ما تكتشف أنه ذو رنه إصلاحية يبحث دوما عن دور يعج بالحركة الحية التي لا تعرف الهدوء وعن مجال رئوي لهذه الحركة يعج بروح التجديد والإصلاح وينمو في جنباته الاصلاحيون وقوى التغيير في المجتمع وينتعشون!
أنه إذا صعود متميز لرجل يسير بخطين متوازيين لا يمكن الاستهانة بأحدهما على حساب الآخر لكن المهم فيه أنه يحدث في زمن المتغيرات الصعبة والمتسارعة خطى نحو منعطف الحسم والبحث عن الحلول للتحديات الجسام في الداخل كما في الخارج أي بخطين متوازيين أيضا وقد يكون هنا بيت القصيد فيما هو مطلوب من رجل الرهانات والمراهنات!
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1836 - السبت 15 سبتمبر 2007م الموافق 03 رمضان 1428هـ