أخيرا... صدر أوّل موقف إيجابي من مؤسسات المجتمع المدني، تجاه ما يجري من محسوبية وفساد وتلاعب وتكريس للتشطير المجتمعي في وزارة التربية، من المكتب الشبابي بجمعية «وعد». ويبدو أنّ هذا الملف «الصغير جدا» لم يحرّك غيرة الجمعيات التي تتفاخر بألوف المنتسبين، فكأنه لا يعنيها بشيء، وكأنه لن يتسبب في تعميق الطبقية، ولن يقضي على أية آمال للحراك بين الطبقات!
ما يخففّ وطأة الصمت العام والتسليم للأمر الواقع المعوج، هو أن البيان الشبابي جاء ناضجا، شاملا أهم أمراض وزارة التربية في عهدها الراهن. فالبيان انتقد «تعامل الجهات الرسمية مع الكثير من قضايا التعليم بشكل غير شفاف، تغيب عنه المكاشفة والمساءلة والمحاسبة، على رغم أنّ التعليم حقّ عام». بل وذهب لتحميل الوزارة مسئولية «قتل الكفاءات» و«تفشي التمييز» و«الطائفية في جميع مرافقها»، بدءا من التعيينات والترقيات وانتهاء ببعثات الدّراسات العليا، حسبما كشفته المعلومات المتسرّبة رغم محاولات التعتيم، والتي أظهرت أنّ قرارات مهمة بالوزارة تتخذ على أساس المحسوبية أو «المحاصصة» لصالح فئات سياسية موالية، أو من أجل استبعاد فئات اجتماعية محدّدة على أساس مذهبي أو سياسي. البيان قال ما لم يجرؤ الصحافيون على قوله؛ لئلا يتهموا بالطائفية. فالطائفيون العابثون بهذا البلد، يؤمنون أنّ خير وسيلة للدفاع عن مواقعهم وامتيازاتهم و«محاصصاتهم»، هو الهجوم واتهام مَنْ يكشف سيئاتهم بالطائفية أو التحريض واستهداف الجمعية «البريئة»! وهي بضاعةٌ كاسدةٌ في هذا الزمان، خصوصا بعد أنْ تكشفت أوراق «تمكين الحزبيين»، وأدرك الجميع ما يقومونَ به من إقصاء وتهميش لشركائهم في الوطن، وإخوانهم في الدّين، في مخالفةٍ لكل القيم والمبادئ التي يدّعون العمل بها، وفي مقدمتها تعاليم الإمام الشهيد حسن البنا (رحمه الله)، فضلا عن مخالفتهم لتعاليم الدين الحنيف التي تدعو إلى العدل والإنصاف والمساواة بين الناس وإيتاء كلّ ذي حقّ حقه. البيان حذّر من «تفشي التمييز في هذا الجهاز الحكومي المهم في مجتمع متعدد المذاهب والثقافات، فالوزارة أخطر جهاز تربوي اجتماعي وفكري بالبلاد تتحمّل مسئولية حاضر ومستقبل الأجيال». الروح الشبابية والواقعية والصدق كلّها واضحة في البيان، فهو قريبٌ من الواقع المعاش وخالٍ من النظريات والتنظيرات، فقد أشار إلى «اكتظاظ بعض الفصول الدراسية، بواقع 35 طالبا في الصف رغم وجود قرار يحدّد العدد بـ 28 طالبا»، فأيّ «جودة تعليم» تتحدّث عنها الوزارة؟ كما أشار إلى انقطاعات الكهرباء في عدد من المدارس، ما يؤكّد أنّ البيان يعبّر فعلا عن هموم الشباب، ولم يصدر عن مجتمع مخملي مترف يكتب مقالات بلاستيكية فارغة من الروح والاحترام. البيان كان صريحا أيضا في انتقاد القرارات «الفجائية» التي تنم عن تخبّط الوزارة، وأبرزها ما سمّي بـ «الدوام المرن»، إضافة إلى المشكلات المتراكمة، من ضعف المناهج والتلقين النظري ونقص التجهيزات المعملية وافتقار المدارس للبيئة التعليمية المناسبة. وهي أمورٌ سمعتها كثيرا في الأسبوعين الأخيرين من عشرات المعلّمين والمعلّمات، بمدارس العاصمة والمحرّق والشمالية والوسطى، من عدم توافر الماء البارد والشكوى الدائمة من عدم تبريد المكيفات، و... و...، بينما تفكّر وزارتنا الموقرة بتمديد الدوام «المتصلّب الشرايين» إلى الساعة الثالثة والنصف!
وزارةٌ تحتاج إلى إصلاح شامل بمعنى الكلمة، فما يجري من عبث بالمورثات الوطنيةللوزارة والاستئثار بمقدراتها، مغامرةٌ بمستقبل الوطن. «شبابي وعد» قال ذلك، لعلّه أوّل الغيث... فمتى ينطق الكبار؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1836 - السبت 15 سبتمبر 2007م الموافق 03 رمضان 1428هـ