سجلت أسعار النفط الخام رقما قياسيا جديدا يوم الأربعاء الماضي، إذ تجاوز سعر البرميل من العقود الآجلة ثمانين دولارا في تعاملات بورصة نيويورك. وعزا المتعاملون هذا الارتفاع إلى الانخفاض الكبير في الاحتياطي الأميركي من الخام، والمخاوف من عاصفة مدارية جديدة قد تضرب خليج المكسيك إذ يوجد عدد كبير من منشآت الإنتاج في الحقول البحرية.
وجاء ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ بعد إعلان وزارة الطاقة الأميركية أن احتياطي الولايات المتحدة من النفط الخام قد انخفض نحو 7.1 ملايين برميل في الأسبوع الماضي وهي كمية زادت كثيرا عن المتوقع.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المحلل المالي في مجموعة سيتي جروب تيم إيفانز قوله: «إن الانخفاض بهذا الكم في الاحتياطي، كان مفاجئا لوكالة الطاقة». لكن محللين آخرين عزوا الارتفاع إلى استمرار الارتفاع في الطلب على النفط وإلى المخاوف من تراجع المعروض منه في الأسواق.
وأعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك في وقت سابق أنها ستزيد الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا، إلا أن بعض المحللين أشاروا إلى أن الزيادة مجرد خطوة رمزية. وحذر هؤلاء من أن الأسعار قد تواصل الارتفاع حتى إذا زادت الإمدادات.
تعكس تلك الصورة الموقع الذي يحتله النفط كسلعة في تحديد الكثير من مسارات العلاقات الدولية. ولقد بدأت سلعة النفط تتخذ دورا مباشرا بتحريك وقائع الصراعات العالمية وبنود الأجندة الاقتصادية في سنة 1914، وهو العام نفسه الذي شهد سقوط شركة ستاندرد أويل، التي كانت في وقتها تعتبر من أكبر الشركات المنتجة للنفط في العالم فقد كانت لها أبراج حفر في أميركا وآسيا الوسطى وتحديدا منطقة بحر قزوين.
وفي العام 1920 تعرضت أسعار النفط إلى عمليات هبوط وصعود شديدة حتى استقر سعر النفط عند مستوى 3 دولارات للبرميل وهذا التذبذب في أسعار النفط دفع الولايات المتحدة إلى استحداث نظام اسمه MOB (موب) فكانت تلك هي البداية بوضع آلية تربط السعر بالإنتاج ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا أصبحت الولايات المتحدة الأميركية اللاعب الرئيسي في رسم سياسة ملامح تجارة وصناعة النفط في العالم وظلت «الموب» كوحدة رقابية تنظم آلية ربط أسعار النفط بحجم إنتاجه وهي تعمل فقط ضمن الولايات المتحدة الأميركية طيلة 40 سنة حتى أن تم إلغاؤها بمجرد تأسيس منظمة أوبك في مطلع الستينات من القرن الماضي لتعمل على مستوى العالم بدلا من اقتصارها على داخل الولايات المتحدة الأميركية.
وهكذا أصبحت أسعار النفط مستقرة عند مستوى 3 دولارات كحد أقصى، وحتى خلال فترة النزاعات العالمية فإنه لم يطرأ تطور كثير عليها. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح النفط هو المحرك الرئيسي دون غيره من بين جميع مصادر الطاقة الأخرى والمواد الأولية والثروات الطبيعية في التأثير على العلاقات الدولية.
وعندما نستعرض تاريخ تجارة النفط سنجد أنه تصدر من دون منازع مصادر الطاقة الأخرى في رسم معالم العلاقات الدولية. لكن على رغم ذلك لم يطرأ نمو فعلي على أسعار النفط خلال العقود الخمسة الماضية من القرن العشرين (1948-1999) وأن النمو الحقيقي في الأسعار بدأ فعلا يتحقق بعد هذه الفترة أي في الخمسة سنوات الأولى من العقد الجاري (2000-2005).
وباستثناء فترة الصدمة النفطية الثانية (الفترة من 1979-1980) نجد أن أسعار النفط منذ الحرب العالمية الثانية وحتى العام 1999 لم يتجاوز سعر برميل النفط فيها سقف 15 دولارا للبرميل إلا في 50 مرة فقط ولفترات زمنية قصيرة جدا على رغم حال عدم الاستقرار والتوترات التي مرت فيها مناطق إنتاج النفط طيلة هذه الفترة الزمنية.
ومع قيام الثورة الإيرانية نتج عجز في الإنتاج العالمي بمقدار 2.5 مليون برميل يوميا فارتفعت الأسعار إلى مستويات تجاوزت 20 دولارا للبرميل وتعززت في تصاعدها مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في العام 1980 حتى ارتفعت الأسعار إلى 35 دولارا للبرميل ثم تراجعت بعدها إلى مستوى 6 دولارات للبرميل وظلت تتراوح بين ذلك وعشرة دولارات للبرميل إلى العام 1987 ومع انتهاء حرب الخليج الأولى، أي الحرب العراقية الإيرانية استقرت الأسعار عند مستوى 16 دولارا للبرميل وبعد اشتعال حرب الخليج الثانية ارتفعت عند مستوى 24 دولارا ثم تراجعت بمجرد تحرير الكويت كي تستقر عند مستوى 13-15 دولارا للبرميل وهذه هي أدنى قيمة لأسعار النفط سجلت في التاريخ إذا أخذنا معامل التضخم في الحسبان فإنها في هذه القيمة هي في حدود دولار للبرميل.
وقفزت أسعار الخام 32 في المئة منذ نهاية العام 2004 بفعل مخاوف من أن النمو القوي للطلب خصوصا في الاقتصادات الصاعدة في آسيا وفي الولايات المتحدة سيزيد الضغوط على الإنتاج العالمي الذي يكاد يكون عند حدوده القصوى.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ