العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ

ماذا تريد رايس من جولتها «الشرق الأوسطية»؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

جولة جديدة ستقوم بها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى المنطقة بين 18 و20 سبتمبر/ أيلول الجاري. الجولة ستقتصر على دول ثلاث وستشمل لقاءات مع رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت وستركز نقاشاتها على الترويج لدعوة الرئيس جورج بوش لعقد «مؤتمر دولي» عن «الشرق الأوسط» في الخريف المقبل.

الجولة أصبحت قريبة في موعدها وهي حتى الآنَ غير واضحة في حيثياتها والغايات التي تستهدفها. ولهذا الاعتبار هناك مَنْ يضعها في إطار استهلاك الوقت والظهور أمام الناخب الأميركي (دافع الضرائب) المصدوم من سياسة دولته أنّ إدارة واشنطن تخطط وتفكّر وتعمل على تحقيق اختراق في الشهور الآخيرة من ولاية الرئيس.

هذا النوع من الخداع الإعلامي دأبت على تكراره إدارة بوش منذ الانتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وبعد صدور تقرير بيكر - هاملتون الذي أوصى بالانفتاح على مشكلات المنطقة المزمنة وإجراء اتصالات وفتح قنوات مع دول الجوارالمحيطة بالعراق.

تقرير بيكر - هاملتون الذي انحرف عن مهمته المركزية وتهرّب من تحديد إجابة واضحة عن العراق ومصيره ساهم في التشويش على الرؤية العامّة وأثار سلسلة نقاط من دون أنْ يتوصّل إلى قرار نهائي بشأن الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين. فالتقرير ترك القرار للرئيس في مسألة العراق وذهب إلى فتح ملفات تحتاج إلى قراءة تتجاوز حدود الاتصال مع دول الجوار.

بوش لا شك استفاد كثيرا من تذبذب تقرير بيكر - هاملتون. فهو اعتبر أنّ التقرير اكتفى بشرح مشكلات المنطقة ولم يحدد الشروط وترك له الباب مفتوحا لأخذ القرار الذي يراه مناسبا للمصالح الأميركية العليا في العراق ومحيطه.

نظريا عارض بوش التقرير. وعمليا أخذ بتوصياته العامّة مع تعديلات طفيفة. التقرير مثلا ترك للرئيس حرية اتخاذ الموقف السياسي/ العسكري الذي يناسب المصالح الأميركية. وهذا ما فعله بالضبط حين رد بزيادة عدد القوات والمراهنة على حكومة نوري المالكي في المساعدة على ضبط الاستقرار وإنجاح خطته الأمنية. والآن وافق على خفض القوات في الفترة المقبلة.

التقرير أيضا نصح الإدارة بإجراء اتصالات عملانية مع دول الجوار وتحديدا سورية وإيران وطلب مساعدتها أو مشاركتها في ضبط الأمن في العراق. وهذا بالضبط ما فعله حين أجرت واشنطن اتصالات أمنية وسياسية ودبلوماسية ومخابراتية وتنسيقية سرية ومعلنة مع دمشق وطهران، وعقدت مباشرة ومداورة سلسلة لقاءات في شرم الشيخ وبغداد والعاصمة السورية أسست قنوات لتبادل المعلومات بشأن مصير بلاد الرافدين ومستقبلها بعد الانسحاب.

كذلك، وهنا جوهر الموضوع، ربط التقرير بين فشل الاستراتيجية الأميركية في العراق وتلك الملفات الساخنة والحساسة في منطقة «الشرق الأوسط» مركزا على الموضوع الفلسطيني وأهميته المركزية في إثارة الكراهية والعداء لإدارة واشنطن. وهذا أيضا ما حاول بوش الأخذ به ولو شكليا فأقدم على طرح فكرة عقد «مؤتمر دولي» للقول إنه ينسجم مع وعوده ولا يعترض على اقتراحات وبنود وتوصيات بيكر - هاملتون.

عمليا اتبع بوش منذ يناير/ كانون الثاني الماضي كلّ الخطوات النظرية التي اقترحها التقرير فهو استفاد من ترك حرية الخيار النهائي لإدارته لتقرير مصير قوات الاحتلال في العراق. وهو نفذ توصية فتح قنوات حوار (أمنية وسياسية وتنسيقية وميدانية) بشأن العراق وتلك الملفات الساخنة المتصلة بالموضوع من بعيد أو قريب في المنطقة. كذلك جاءت دعوته الغامضة وغير المدروسة لعقد «مؤتمر دولي» بشأن فلسطين والسلام والتسوية تلبية لرغبة توصية وردت في تقرير بيكر - هاملتون.

عاصفة سياسية

بوش أراد شراء الوقت والتهرّب من تلك العاصفة السياسية التي أثارها التقرير. وعمليا يمكن القول إنه نجح في خطته إذ استطاع انتزاع كلّ تلك الاعتراضات انطلاقا من الإيحاء أنه أخذ بالتوصيات واعتمدها ميدانيا. الآنَ وبعد نحو عشرة أشهر من نشر توجيهات التقرير وملاحظاته يستطيع الرئيس الأميركي أنْ يدّعي انه أخذ بالتوصيات ونفذها على صعيد جبهة العراق ومحيطه وبقي عليه أنْ يواصل المهمة في جبهة فلسطين.

الدعوة إذا إلى عقد «مؤتمر دولي» للشرق الأوسط في الخريف المقبل خطوة استعراضية تريد تنفيس الضغط الداخلي الذي ولدته الانتخابات النصفية و مقاربة ما أنتجه تقرير بيكر - هاملتون من توصيات عامّة تفتقد إلى منهجية عملانية للربط بين أزمات المنطقة. فالتقرير يفتقد إلى خطة واضحة تتبع آليات واقعية في التعامل مع المتغيرات وموازين القوى ومدى استعداد الأطراف المعنية لتلبية ما نصت عليه القرارات الدولية. وهذا النقص المنهجي يشكّل ثغرة في التقرير تعطي بوش فرصة للتهرّب من التزاماته ووعوده حين يقترب موعد الدعوة إلى «مؤتمر دولي». فالخريف المقبل أصبح على الأبواب وحتى الآنَ لم تبلور إدارة بوش خطتها العامّة وخطواتها الميدانية لتقريب وجهات النظر وتحديد آليات لتفكيك أزمات مزمنة ومتراكمة.

هذا الغموض في حيثيات الدعوة وعدم وضوح الرؤية في تحديد برنامج عمل المؤتمر والأطراف المدعوة إليه يشير إلى رغبة الإدارة في تقطيع الوقت والتهرّب من المسئولية حتى لا تتهم بالعجز في تطبيق وعود أطلقها بوش بشأن نظرية «الدولتين». وربما تكون الإدارة تقصدت أنْ تسلك هذا النهج حتى لا تطالب لاحقا بعدم التعامل بجدية مع رؤية التقرير. وجولة رايس في الأيام المقبلة ليست بعيدة عن سياسة الخداع وكسب الوقت والتهرّب من المسئوليات الكبرى التي تقع على عاتق إدارة تورطت في مشكلات وأورثت المنطقة أزمات جديدة مضافة إلى السابقة.

فعلا ماذا تريد أنْ تقول رايس في جولتها المقبلة؟ وما هي الوعود التي تحملها معها لإقناع دول المنطقة «الصديقة» لواشنطن بضرورة المشاركة في «مؤتمر دولي» يعقد في الخريف؟

المعلومات تشيرإلى أنها تنقل مجموعة أفكار أشبعت سابقا بالدراسات والتوصيات والاتفاقات والقرارات وانتهت كلّها في ملفات مقفلة. ورايس التي زارت المنطقة وجالت فيها عشرات المرات تدرك سلفا أنّ الدعوة إلى «مؤتمر دولي» ليس القصد منها حلّ مشكلات «الشرق الأوسط» بقدر ما تستهدف تخفيف الضغط الداخلي على الرئيس بوش من خلال الإيحاء للجمهور الناخب أنّ الإدارة تعاطت بإيجابية مع توصيات التقرير وهي باتت في وضع مريح، ولا تزال قادرة على ضبط المصالح الأميركية والدفاع عنها.

هذا النمط من التفكير الداخلي (انتخابات الرئاسة والتنافس مع الديمقراطي) في قراءة أزمات «الشرق الأوسط» سيزيد من عزلة الولايات المتحدة في منطقة حيوية واستراتيجية وغنية وواعدة؛ لأنه يعتمد أسلوب المماطلة والتسويف والتأجيل في لحظة تحتاج إلى سياسة تراجع ملف الأزمات بعقلية نقدية تمتلك قدرة على الابتكار. وهذا الجانب المستقبلي في الرؤية تفتقده إدارة تعاني من اضطرابات داخلية بعد أنْ كشفت الانتخابات النصفية عن ضعفها في كسب الشارع الأميركي، وعن افتقادها لمنهج يضع تصورات وآليات خاصة تتناسب مع حاجات المنطقة ومتطلباتها.

رايس في المنطقة قريبا. وقبل وصولها صدرتْ مجموعة تعليقات من الرياض والقاهرة ورام الله وجامعة الدول العربية فضلا عن بيروت ودمشق وتل أبيب تشير إلى غموض برنامج الزيارة وماذا تريد واشنطن من وراء الدعوة إلى عقد «مؤتمر دولي» في الخريف المقبل. الأطراف كلّها تقريبا بدأت تشكك في جدوى المؤتمر وغاياته. وبقي على بوش أنْ يعلنَ بوضوح عن الأسباب التي دفعته إلى إطلاق دعوته وتوقيتها في الذكرى السنوية الأولى لهزيمة حزبه في الانتخابات النصفية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً