العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ

منطقة التجارة الحرة الخليجية - الإيرانية والتقارب الاستراتيجي المفقود!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

من كان ينظر إلى موقع البحرين منذ فترة وجيزة ضمن التصريحات الفاشية لحسين شريعتمداري صاحب صحيفة «كيهان» الإيرانية التي تجنى من خلالها على سيادة واستقلال البحرين حينما زعم من خلالها بأن البحرين محافظة إيرانية وتم على الفور تدارك آثارها وعواقبها بحنكة وحكمة دبلوماسية بين البلدين الشقيقين، أو حتى موقع العلاقات البحرينية الإيرانية التاريخية خلال فترة أطول من ذلك بكثير وما شهدته وتشهده من حساسية، ومع ذلك يسعى لتجاوزها ويقارنها بتلك الأنباء والتصريحات الإيرانية الدبلوماسية التي تفيد بترجيح البحرين لتكون مقرا لـلمنطقة التجارية الحرة بين دول مجلس التعاون وإيران، فإنه قد يخرج بانطباع مغاير جوهريا عن ما قد يكون عليه مستقبل العلاقات الإيرانية - العربية، وبالتحديد الدول الخليجية، وذلك في الوقت الذي تتشح فيه الآفاق بالسواد بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و«المجتمع الدولي» بسبب أزمة البرنامج النووي الإيراني، وربما لا حاجة بنا مجددا لتناول موقع وحجم دول مجلس التعاون في هذا الاسوداد السلمي والتصعيد المتبادل، والتي هي أقرب ما تكون فيه على فوهات المدافع!

وعلى رغم من إيماني الشخصي والمسنود منطقيا باستحالة الفصل أو الفصم جوهريا بين الجانب السياسي والجانب الاقتصادي لكون كلا الجانبين متداخلين أساسا ومرتبطين ببعضهما بعضا من خلال الدور الرئيسي الذي يلعبه الاقتصاد في صناعة سياسة بلد ما، وكيف تكون القرارات الاقتصادية طبيعيا أسيرة للقرار السياسي، ولكن ومن خلال التأمل التاريخي المسهب في الدور الذي اضطلعت به عوامل التعاون والتنسيق الاقتصادي المنفتح بين الكثير من الأقطار السياسية في تحقيق المزيد من التقارب بل وحتى الاندغام الاستراتيجي بينها بغض النظر عن مظاهر الاختلاف الثقافية والقومية والدينية بينها، فإن مثل هذا الدور الاقتصادي قد يلعب دورا أكثر جدوى وعملية من غيره من أدوار أخرى في تحقيق التقارب الاستراتيجي وتجاوز إرثا من الخلاف والصراع المعلن وغير المعلن على حد سواء، والذي وجد له تأريخه وتمظهره في بطون المجلدات الثقافية الصفراء!

فنضرب على سبيل المثال أحوال الكيانات السياسية المؤسسة لتكتل الاتحاد الأوروبي وكيف أنها استطاعت أن تتجاوز بشكل قياسي تاريخ حافل من الصراعات السياسية والعسكرية الدموية بين الأقطاب الكيانية الكبرى التي وضعت اللبنات الأساسية في تأسيس هذا التكتل الاستراتيجي الوحدوي الناجح، وذلك من خلال تدشين خطى التقارب والتوحد الاستراتيجي بينها على أساس المصالح الاقتصادية المشتركة والروابط التجارية البينية وغيرها من أسس وعلاقات مصلحية لطالما أثبتت جدواها العملية في تحقيق التقارب والتوحد، أكثر من أية روابط أخرى ترتبط بالثقافة والقيم النوعية أو حتى روابط أخرى تتعلق بفرض وتصدير نموذج سياسي معين على مختلف الأقطار، وهو ما أعطى للعالم نموذجا تاريخيا رائدا للتوحد والتقارب الاستراتيجي بين عدد من الأقطار والكيانات السياسية بغض النظر عن ما بينها من تاريخ حافل بالصراعات الدموية ومعطيات تفاوت وتباين ثقافي وأقوامي!

فمثل هذه الدول الكبرى لطالما أيقنت الدرس واستفادت من أخطائها السحيقة، وأدركت باستحالة تطبيق نموذجها لتحقيق التقارب الاستراتيجي والبروز كقوة استراتيجية وأممية مؤثرة عبر اعتناق فرضية وتصور القائد الواحد والشرطي والعسكري الأوحد والنموذج السياسي والأيديولوجي المتفرد في إحكام القبضة على جميع المواقع الجغرافية والأقطاب الحضارية المختلفة، كما أنها لم تشغل وتبدد وقتها مجددا على حسم أفضلياتها الثقافية والقومية والإثنية - العرقية فيما بينها!

ولربما نحن شعوب وقبائل في هذه المنطقة بثقلها الاستراتيجي البارز وساحاتها الحافلة بالصراعات الدموية وإرث متهالك من تنمية القلق والتوتر والهواجس العدائية البينية لأحوج دون غيرنا من استلهام تجارب الغير في تحقيق التقارب والتوحد الاستراتيجي، وقبل ذلك الاستفادة من جبال أخطائنا الشاهقة ونكباتنا الدموية السحيقة في رسم منافذ عملية حتمية وكفيلة بتحقيق ذلك وتوطيده على بحر من المصالح العامة الحيوية المشتركة بين بلدان المنطقة لا على فوهة براكين من الهويات والإثنيات والثقافات والأيديو لوجيات وحتى التصريحات الصحافية المنصهرة والمتصادمة فيما بينها.

ولعل تجارب النظام العراقي السابق في المنطقة وأخطائه الاستراتيجية الفادحة التي لم نزل حتى وقتنا الراهن ندفع ثمنها غاليا قد تدفعنا لإسقاط فرضيات الحارس والقائد الأوحد لهذه المنطقة أكان عربيا أم فارسيا أم أميركيا، وفرضيات الثورة الأزلية المنتصرة والتوسعات الإمبريالية غير الآبهة بالمعطيات السياسية والاستراتيجية الراهنة، والأهم من ذلك أن نتخلى قبل كل شيء عن احتكار الوسائل الإعلامية والدبلوماسية المكوكية الأميركية والصهيونية الدخيلة لتعريفنا نحن أبناء المنطقة ببعضنا بعضا، بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ومصالحنا ونقاط التقاءنا واصطدامنا ببعضنا بعضا، فكما أنه ليس من حق دول الخليج دعوة إيران لتصفية برنامجه النووي أكان سلميا أم عسكريا، فإنه وبالمقابل ليس من حق إيران أن تعتبر دول الخليج فنائها الصحراوي الخلفي أو تتعامل معها كباقي عملات وطوابع سليبة لابد أن تعود حتما، أو تعتبرها مثل بساط للمغامرة أو المقامرة لفرض نفوذها بمنتهى الشطط!

وحتى لا أكون مفرطا في التفاؤل فإن خطوة ضرورية متأخرة كخطوة السعي نحو إنشاء منطقة تجارة خليجية - إيرانية حرة ومشتركة إذا ما تحقق لها النجاح بالشكل الأمثل قد تكون أكثر جدوى عملية ومنطقية في تحقيق التقارب الاستراتيجي الحتمي بين دول الخليج العربية وإيران من خطوات بروتوكولية للتقريب بين المذاهب الإسلامية والتنقيب الثقافي والحضاري والتغزل الدبلوماسي ذي الأوجه المختلفة، فهل يكتب لمثل هذه الخطوة المتأخرة النجاح وتكون البحرين واحة للتقارب الاستراتيجي النوعي بين إيران والعرب بدلا من أن تظل بؤرة أخرى للصراع والتصادم المصيري (لا قدرالله)؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً