من الضروري التعرف على مفاهيم معينة تؤثر في حياتنا السياسية ومجتمعاتنا، سواء كنا مؤيدين أو مخالفين لها... ومن تلك المفاهيم المتداولة «ولاية الفقيه».
السؤال في هذا الموضوع يبدأ هكذا: هل يمكن لدولة «شيعية» أن تقام من دون فقيه «قائد» على رأسها؟ وهل يمكن أن تكون دولة ما شرعية إذا لم يوجد فقيه يفتي لها الحلال والحرام؟ هذا السؤال قديم - جديد، والتاريخ الشيعي مملوء بالدول التي نشأت من دون فقيه على رأسها... ولكن في كل مرة كان هناك فقيه يلعب دور المفتي، وهو لا يختلف كثيرا عن مفهوم المفتي (شيخ الإسلام) في الدول السنية.
ففي جنوب الهند قبل خمسة قرون كانت هناك ولاية «حيدرباد» تحت حكم عائلة شيعية، وكان الفقهاء الشيعة (من أتباع المدرسة الإخبارية) هم الذي يفتون لها... ثم كانت هناك حتى القرن التاسع عشر الميلادي «ولاية عوض» في شمال الهند (أوتاربراديش حاليا)، وعاصمتها «لكهنو»، وكانت تحت حكم عائلة شيعية وكان الفقهاء الشيعة (من أتباع المدرسة الإخبارية ومن ثم تحولوا إلى المدرسة الأصولية) هم الذي يحللون ويحرمون لها على نمط «شيخ الإسلام». وقبل نحو ألف سنة كانت هناك أيضا حكومات شيعية في بغداد (البويهيون) وفي البحرين (العيونيون والعصفوريون)، وكانت تلك العوائل الشيعية الحاكمة لديها فقهاء تستعين بهم لمعرفة الحلال والحرام.
وقبل خمسة قرون تأسست الدولة الصفوية في إيران، واعتنق الشاه الصفوي المذهب الشيعي، وشرع في تغيير المذهب الرسمي في إيران إلى التشيع، واستحدث الصفويون منصب «شيخ الإسلام» الذي تسلمه الفقهاء الشيعة من المدرسة الأصولية. وفي هذه الدولة كان بعض علماء الشيعة يرون في النظام الملكي الصفوي خطوة تمهيدية لظهور الإمام المهدي (ع)، وعلى أساس ذلك مارسوا السياسة تحت مظلة حكم عائلة مالكة.
في القرن التاسع عشر كانت إيران تمر بمرحلة مختلفة، إذ تطور نفوذ علماء الدين بين الشعب أثناء فترة حكم العائلة القاجارية، وأصبحوا دعامة أساسية في المجتمع، بل وحتى في الاقتصاد... ومن بين علماء إيران آنذاك كان الشيخ أحمد النراقي (المتوفى في 1829م) وهو أول من طرح مفهوم ولاية الفقيه ذي الصلاحيات غير المحدودة (الولاية المطلقة).
في مطلع القرن العشرين انقسم الفقهاء بشأن فكرة الملكية الدستورية في إيران، فمنهم من أيدها بحسب الدستور (محمد حسن النائيني) ومنهم من عارض الدستور (محمد كاظم اليزدي) واعتبر أن الحاكم ليست عليه قيود حتى لو كان من أفراد العائلة القاجارية المالكة.
في النصف الثاني من القرن العشرين برزت شخصية الإمام الخميني الذي آمن بضرورة مقارعة النظام الشاهنشاهي الفاسد، ولكن ما هي الشرعية التي سيعتمد عليها الخميني في حركته، ولاحقا في ثورته؟ الحل الذي ارتآه الإمام الخميني كان في تفعيل مفهوم «ولاية الفقيه المطلقة» التي نظر إليها الشيخ النراقي وذلك لشرعنة تصديه المباشر للسياسة، وهو أول تطبيق في التاريخ لهذا المفهوم. وللحديث تتمة.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ