وكأية قناة من قنوات العلاقات الدولية شهدت شروط الاستدانة تطورات ملموسة على امتداد القرن الماضي، وهي ماتزال في تطور مستمر. لكن بوسعنا القول إن شروط هذا التطور تتجه نحو التشدد في غير صالح الدول المدينة ولصالح ضمان حقوق ومصالح الدول الدائنة. وهنا لايمكن إغفال الدور الذي تطلع به بعض المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، إذ إن معظم الشروط التي تصاحب تطوير تلك الشروط، مثل إعادة جدولة الديون، تصب في صالح تحقيق أهداف وبرامج هذه المؤسسات والدول المسيطرة عليها مثل الولايات المتحدة الأميركية.
وقد بدأ ظهور بعض المؤشرات التي تعكس زيادة تدخل وتأثير الدول الكبرى في تشديد شروط المديونية الخارجية، خصوصا مع الدول النامية التي تطلب قروضا أو تسهيلات مالية أو معونات، وذلك عن طريق تشددها في هذه الشروط بالنسبة للقروض التي تقدمها حكومات هذه الدول أو مؤسساتها المالية، أو عن طريق التدخل لدى مؤسسات التمويل الدولية مثل الصندوق والبنك الدوليين واستخدام نفوذها في هذه المؤسسات لتمارس ضغوطا وتشدد شروطها على تقديم قروضها للدول النامية ومنها البلاد العربية.
ومن المنطق أن يكون الهدف من إعادة جدولة الديون الخارجية تحقيق فوائد اقتصادية للدائن والمدين في آن، فهي تضمن للدائن الحصول على أمواله يوما ما، وفي الوقت نفسه تعطي للمدين فترة تأجيل تتيح له إعادة ترتيب أوضاعه الاقتصادية والتجارية. لكن على رغم ذلك فإن هذه العملية لا تخلو من شروط قاسية تؤثر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للدول المدينة.
وعلى المستوى العربي فقد تضاعفت الديون الخارجية للدول العربية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي 7 مرات إذ زاد حجمها من 49 مليار دولار في العام 1980 إلى 325 مليارا في العام 2000. ولم يصاحب هذا الارتفاع زيادة مماثلة في الناتج المحلي الإجمالي. في بداية الفترة كانت الديون الخارجية تشكل 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العربي، فأصبحت في نهايتها 46 في المئة منه. وتشكل خدمة هذه الديون عبئا ثقيلا على مالية الدولة وتؤثر تأثيرا سلبيا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، كما لم تصمم إعادة الجدولة إلا لتأجيل المشكلة، أما إلغاء الديون فتعتمد على اعتبارات سياسية بحتة ناهيك عن ضعف فاعليتها.
ونتيجة العجز المزمن في الموازنات العامة والموازين التجارية وخصوصا في الدول العربية غير النفطية، انخفضت القيمة التعادلية للعملات الوطنية وارتفع معدل الضغط الضريبي واتبعت سياسات تقشفية في شتى الميادين فتضررت جميع الفئات الاجتماعية، وهبط مستوى معيشة حوالي 160 مليون عربي ينتمون إلى دول تطبق برامج الإصلاح الاقتصادي المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي.
لقد كانت الأقطار العربية تستدين بسبب حاجتها إلى الأموال، ومن أجل تحسين ظروفها الإقتصادية القائمة، لكن النتائج جاءت مخالفة للتوقعات والطموحات فقد أصبحت البلدان العربية، بما فيها الدول المنتجة للنفط - وإن كان ذلك بأقل حدة - أكثر فقرا بسبب ثقل ديونها، وبات من المستحيل سداد أصل وفوائد الديون الخارجية في المواعيد المحددة.
فعلى المستوى الخليجي، وبخلاف ما يتوقعه البعض، يستذكر تقرير دورية «ماكنزي» بأن دول الخليج التي شهدت الطفرة النفطية الأولى كانت حين ذاك ماتزال دولا تحت التأسيس وبالتالي ضاعفت عائدات النفط 6 مرات حاجة هذه الدول من الدخل القومي.. في الوقت الذي لم تواجه فيه الدول الخليجية مشكلات حقيقية مقارنة بعدد سكانها في ذلك الحين. لكن التقرير يشير إلى اختلاف طريقة استغلال الطفرة النفطية الحالية، باعتبار أن الدول الخليجية حاليا تمتاز بأنظمة سياسية طموحة، وتتبع سياسية تخفيض الديون.
ويشير التقرير إلى أن العائدات من النفط والغاز، من العام 2002 وحتى العام 2006 ارتفعت من 100 مليار دولار إلى 325 مليار دولار سنويا. وفي المقابل ارتفعت معدلات الإنفاق في دول الخليج العربية بنسة 74 في المئة، فبعد أن بلغ حجم الإنفاق في العام 2002، 119 مليار دولار، وصل حجم الإنفاق في العام 2006 إلى 207 مليارات دولار، وذلك بغية تمويل مبادرات الصحة والتعليم.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1833 - الأربعاء 12 سبتمبر 2007م الموافق 29 شعبان 1428هـ