في هذا اليوم من المفترض أن يكون شهر رمضان المبارك حل علينا في البحرين وسائر أنحاء العالم، والذي نهنئ بحلوله أعزاءنا القراء، ومن المفترض أيضا أن يكون إخوتنا المسلمون استهلوا تأدية فريضة الصيام بما يشمله من امتناع عن الطعام والشراب، وعن ارتكاب الخطايا وسائر أنواع المنكرات، ولكن مع اشتعال سمية المناخ العام في المنطقة والبحرين تحديدا بأدخنة الحرائق الطائفية، وتغلغل الكربون الطائفي في جميع الأنسجة الاستهلاكية، وكأنما بات في أسوأ الأحوال عنصرا ضروريا من عناصر الغذاء والماء وفي أحسنها تابلا لا غنى عنه لإكساب الطعام مذاقا مميزا يحظى بقبول لافت، وباستمرار اقتراب المجتمع بأفراده من حافة التشطير والتقسيم والتجزئة إلى شظايا وأقسام طائفية متناحرة من دون أن يوقفه أفق معتم ومجهول... هل من الممكن أن تجد الطائفية البغيضة نفسها تلك وقد أصبحت شرعا ضمن المحظورات الرئيسية على الصائم، وذلك إلى جانب الطعام والشراب والفواحش والمنكرات من خلال فتاوى العلماء الأجلاء من كلا الطائفتين الكريمتين!
ولو كفت جميع تلك المهاترات الطائفية عن التوارد والاستمرار في جميع المنابر والمحافل واللقاءات التواصلية اليومية فقط خلال هذا الشهر الفضيل على الأقل، ولو امتنعت بعض المنتديات والمواقع الإلكترونية والمدونات عن الإثارة الطائفية ونشر الشائعات المغرضة والتحريض على كراهية ونبذ الآخر، وعملت على استغلال ما يتاح لها من مساحة وسعة في فضاء الإنترنت الحر في نشر ثقافة التآلف والتسامح والتواصل والانفتاح على الآخر وذلك بدلا من التعكر والتبلد بلون الفتور السياسي السائد حاليا وزيادة شرايين الحوار الوطني تصلبا وانسدادا على ما هي عليه، ولو أصبح ما يقال في مجالس رمضان العامرة والمفتوحة من تسبيح وتنزيه بحمد الوحدة الوطنية وشكر لمآثرها وطيب سجاياها أثناء حضور كبار الوجهاء والمسئولين متطابقا في رمضان مع ما يقوله الصغار في الغرف المغلقة... فهل سيسهم الصيام لمدة شهر على الأقل عن إتيان الفكر والفعل والنَفَس الطائفي المقيت، في فتح الآفاق وتعميق الرؤى وإدراك شكل أجمل للمجتمع والوطن والعائلة الواحدة؟!
وماذا لو اتخذت الدولة قرارات ومواقف مشابهة لما اتخذته وتتخذه الكويت الشقيقة تجاه مثيرات الفتنة الطائفية وأزماتها في سبيل صون الوحدة الوطنية، فتبادر الدولة بمعاقبة جميع المنابر أيا كان مقامها والتي تساهم في التحريض الطائفي والإساءة إلى الآخر، وقامت بتشميع الدكاكين الصحافية الطائفية المأجورة خلال أيام الشهر الفضيل فقط، وشددت المراقبة على مختلف المنافذ التي من المحتمل أن يمر خلالها ما يزيد من واقع الوحدة الوطنية تعكيرا، ولو خلال هذا الشهر فقط، فهل من الممكن ذلك، أم أن مثل هذا الطلب مكلف سياسيا واجتماعيا جدا بالنسبة إلى الدولة وبعض المنظمات المجتمعية، كما أنه مكلف ومحرج ومثير للجدل شرعا ولا يليق أن تتم تلبيته خلال شهر رمضان المبارك إذا ما أصبحت الطائفية إحدى محاور الفضيلة والغيرة الصافية على عرض الدين، فينتصر الجزء على الكل بعد أن يصبح الجوع والجهل والهزال ذخيرة ومؤونة!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1833 - الأربعاء 12 سبتمبر 2007م الموافق 29 شعبان 1428هـ