تسلم الشيخ هاشمي رفسنجاني رئاسة مجلس الخبراء الإيراني الأسبوع الماضي، وعاد ليصبح الرجل الثاني في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ ورفسنجاني لا تنقصه الخبرة الفقهية أو السياسية... فالصحافة كانت تلتقط صوره العام 1979 وهو يسلم الإمام الخميني أوراق اعتماد أول رئيس وزراء بعد الثورة وهو المرحوم المهندس مهدي بازركان، وكان اسمه يتردد في كل موضوع خطير مرت به الثورة في مراحلها الأولى.
في بداية الثورة كان الإمام الخميني يرى أن دور عالم الدين يتمثل في «المراقبة» و «الإرشاد»، ولذلك منع الشهيد محمد حسين بهشتي من الترشح لرئاسة الجمهورية بعد إقرار الدستور. ولكن إخفاقات الرئيس الإيراني السابق أبوالحسن بني صدر، ثم خشية الإمام الخميني من قبول السياسيين المحترفين (مثل صادق قطب زاده وغيره من المتعطشين للسلطة آنذاك) بحلول قد تؤثر على مصير النظام، دفعته لتغيير وجهة نظره. وعليه قام بتأييد تسلم علماء الدين القيادة التنفيذية للبلاد، وكان السيدعلي الخامنئي عندما تسلم رئاسة الجمهورية للمرة الأولى قد حصل على رسالة تأييد من الإمام الخميني فهمت أنها رغبته بأن ينتخب لهذا المنصب، تماما عكس الموقف السابق عندما أراد بهشتي الترشح للرئاسة.
الإمام الخميني برز قائدا جماهيريا ثوريا كاريزميا في العام 1979 وبصورة لم يعرفها تاريخ الشيعة الحديث... ولم يكن الخميني بحاجة إلى التصديق عليه من قبل خبراء في الفقه أو السياسة لتسلم القيادة. وكانت مواد الدستور الأول للجمهورية الإسلامية الإيرانية صيغت وكأن الإمام الخميني شخصية يمكن تكرارها... وهو أمر التفت إليه الإيرانيون لاحقا. وعليه، قاموا بتغيير الدستور، وقللوا الصفات التي يجب أن يتمتع بها القائد (الولي الفقيه) ومنحوه صلاحيات دستورية واسعة. كما ألغت التعديلات في نهاية الثمانينات من القرن الماضي منصب رئيس الوزراء، وأصبح الرئيس بمثابة رئيس للوزراء (ضعيف الصلاحية)، ومرشد الجمهورية بمثابة الرئيس التنفيذي بصلاحيات دينية ودنيوية غير محدودة من الناحية العملية (ولاية مطلقة)... ولا يحدها إلا مجلس الخبراء الذي يتكون من علماء الدين الذين حصلوا على مستوى متقدم في الفقه وموالين لنظام الجمهورية الإسلامية.
من الناحية النظرية (الفقهية)، فإن الخبراء يمكن أن يكونوا إيرانيين أو غير إيرانيين لأن الدين ليست له قومية، ولكن من الناحية «الفعلية» لا يمكن لأي شخص غير إيراني أن يصل إلى هذا المنصب حتى لو كان حائزا على كل الشروط الدينية. وعلى أي حال، أصبح دور مجلس الخبراء شبه معطل منذ وفاة الإمام الخميني في 1989 حتى وفاة رئيسه السابق. أما الآن فإن رفسنجاني يمسك برئاسة المجلس، وقد توعد بتفعيل صلاحيات المجلس، وأملنا في أن ينتج عن ذلك تعزيز أمن المنطقة وحسن الجوار ... عبر سياسة عملية تعتمد على الخبرات، وليس الشعارات.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1833 - الأربعاء 12 سبتمبر 2007م الموافق 29 شعبان 1428هـ