تصادف في حياتك كثيرا من المواقف، منها المضحك، ومنها المبكي. منها ما يلازمك طوال حياتك، ومنها ما هو آني ولحظي قد يضحكك أو يبكيك عندما يمر بخاطرك بعد مرور سنين.
قد لا تكون بحد ذاتك الشخص المعني في الموقف، أو المتعرض له، ولكن عند سماعك به تجد نفسك تشاطر صاحب الموقف الأصلي رد الفعل والتأثر... وما أكثر المواقف التي يتشاطرها المواطنون، وخصوصا من هم من طبقة واحدة. أستعرض بعضها...
- بينما كان أحد الأزواج يشاهد برنامجا عن القوارب واليخوت في التلفاز، طرأت في باله فكرة شراء يخت واتخاذه مسكنا له كون أصغر أرض في زمننا ستكلفه قيمة اليخت، عوضا عن أن بناءها حتى ولو كان متواضعا سيكلف الكثير والكثير، والكل يعلم بارتفاع أسعار مواد البناء (التي تشيب الرأس، وتقصر العمر). طرح الرجل فكرته على زوجته، التي بدورها سرعان ما بددت حلمه بإجابة سريعة «وأنت ضامن بيبقى لك بحر بعد كم سنة، ما تقول لي شبتسوي لي راحت البحور بأرزاقها وشي اندفن وشي انباع وشي تسوّر وصار خاص»؟!
إجابة بسيطة، ولكنها الحقيقة المرة التي يرفض المعنيون كشفها، أو حتى الاعتراف بها، مع أن كل الأمور واضحة وضوح الشمس، ويكفينا بمسمى (البحرين) الذي أطلق على مملكتنا الصغيرة لإحاطة البحر (حلوه ومالحه) بها من جميع الجهات... لكنه دليل أسقط بفعل الردم والعمران، حتى بات يحق لك أن تغير المسمى إلى «بَرّين» لولا أن التسمية الأم عزيزة على القلب، وإن كانت تبث فيه لوعة لتهجيرها عن معناها!
- مواطن تقدم بطلب وحدة سكنية منذ ثماني سنوات. مرت السنون وإذا بمشروع بناء وحدات سكنية في قريته بعدد لا بأس به. استبشر المسكين خيرا حتى تبخر الخير كله حينما علم بأنه ليس مستفيدا. ظلت البيوت تشيّد، فتجدد معها أمله، وظل يراقب مراحل بنائها خطوة بخطوة، ويسأل نفسه أي البيوت سيكون من نصيبه؟ حتى دقق النظر أكثر ووجد أن البناء امتد إلى أعلى بكثير عن البيوت التي شيدت قبلا، ترى هل ستتكرم الوزارة ببناء فللا فخمة بدلا من البيوت الضيقة؟ وكم سيكون إيجارها؟ هل سأقدر على تسديده؟ حتى قرأ المسكين في الصحف ما لم يكن في الحسبان، تلك بنايات تحوي شققا سكنية، ومطلوب منه الرضوخ للأمر الواقع والقبول بها، وإلا فلينتظر الوحدة السكنية، مع تأكيد أنه من الممكن ألا يحصل عليها أبدا لأن هناك شحا في الأراضي!
وكيف لا تشح الأراضي، وقد كدس 743 ألف نسمة (بحسب إحصاء الجهاز المركزي للمعلومات في العام 2006، الذي شكك فيه النائب جاسم حسين وقال إن العدد الحقيقي للسكان في البحرين يزيد على 850 ألف فرد) في الجزء الشمالي من المملكة، في حين 80 في المئة (بحسب إبراهيم شريف في ندوة «الوسط» عن السكن العمودي)، لا نعلم مصيرها ما إذا بيعت (وإن كان كذلك فأين مردودها، كونها من ألاراضي العامة، على الشعب والمواطن الفقير)، أو حولت بقدرة قادر إلى أملاك خاصة من دون مقابل؟!
- قال «جذي جذي بموت، فأحسن لي أموت بكرامتي في بيتنا، ليش تودوني السلمانية؟»... كان هذا رده على ولده إثر طلب الأخير منه أخذه إلى مجمع السلمانية الطبي، بعد أن لمس التعب الشديد على والده. ومثل هذا الوالد الكثيرون بمختلف فئاتهم وأجناسهم، الكل بات يشكك في مستوى الخدمة المقدمة في «المستشفى العريق»، مقصد المواطن والوافد بأصناف عللهم ومصابهم، ويكفي شح الأسرّة ليكون دليلا على «شح الخدمة» أصلا، هذا إذا تجاوزنا الأخطاء الطبية ونقص الأدوية، عوضا عن سوء معاملة (بعض) الأطباء والممرضات للمرضى.
المساحة قد تضيق بنا ونحن نطرح المصادفات (الهموم المشتركة) التي نتعرض لها يوميا. والتقصير لا يطول الجهات التي ذُكرت فقط، وإنما هي أمثلة لجهات كثيرة ذات علاقة مباشرة بالمواطنين، وسميت (خدمية)، في حين أنها مازالت تترفع على المواطنين، فلا تكلف نفسها عناء حتى الرد على اتصالاتهم (المتكررة يوميا من بدء الدوام إلى انتهائه) المستفسرة عن حقوقهم المعيشية، متناسية مسماها الأصلي القائم على (الخدمة)، خدمة الشعب، كل الشعب، وإلا لا حاجة لنا بها.
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 1832 - الثلثاء 11 سبتمبر 2007م الموافق 28 شعبان 1428هـ