يعتبر أستاذ الاقتصاد الدولي المساعد في كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية أحمد الوزان الديون الخارجية بمثابة العجز الذي يؤدي إلى تفاقم مشكلات ميزان المدفوعات وتكون له جملة من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد.
وتنشأ المديونية نتيجة الاقتراض الخارجي لتمويل العجز في الموازنة العامة للدولة، وفي بداية الأمر تتجاهل معظم الدول هذا العجز إذ لا تكون آثاره ظاهرة ملموسة، ولكن بعدما أن يأخذ ذلك العجز في التنامي بصورة واضحة يصبح لزاما على تلك الدول أن تسعى إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمحاصرة ذلك العجز المتنامي من عام إلى آخر.
وإلقاء نظرة أولية على الخريطة العالمية يجعلنا نلحظ أن عددا لابأس به من الدول النامية وصلت فيها نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات حرجة، ونتجت عنها أعباء مالية ضخمة أصبحت ترهق كاهل تلك الدول وتقف أمام تطلعاتها إلى التنمية والنمو لما تمثله تلك المديونية من ضغوط على مسار خطط التنمية.
هذه الحال تدفع تلك البلدان إلى محاولة إيجاد مخرج متوازن للوفاء بالتزاماتها مع الحفاظ على حد معقول من معدلات النمو الاقتصادي.
لذلك، فإن الديون الخارجية هي في جوهرها، وكما يراها الوزان، تعبير عن عجز البلاد عن مواجهة تفاقم مشكلات ميزان المدفوعات، الأمر الذي يؤدي الى مضاعفة «جهود هيكل الإنتاج المحلي واختلاله المستمر وفقدانه لأية ميزة إنتاجية أو تنافسية، فضلا عن الانتقال الدائم للموارد الاقتصادية من البلد المدين الى الجهات الدائنة».
من جانب آخر، يرجع محمد حسن يوسف، وهو باحث اقتصادي ومترجم ببنك الاستثمار القومي في مصر، ويصدر نشرة مترجمة عن أهم الصحف والمجلات الأجنبية المتخصصة لرصد اتجاهات الأسعار العالمية للسلع والخدمات واتجاهات التجارة الدولية ومؤشرات النمو الاقتصادي في مختلف دول العالم، لجوء الدول النامية إلى الاستدانة من الخارج إلى رغبتها في سد ما هو متعارف عليه بـ «فجوة الموارد المحلية»، وهي «الفجوة القائمة بين معدل الاستثمار المطلوب تحقيقه للوصول إلى معدل النمو المستهدف وبين معدل الادخار المحلي الذي يتحقق في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية معينة».
عندها تجد الدول النامية، وفقا لما يراه محمد حسن يوسف، أمام ثلاثة خيارات لحل المشكلات الناجمة عن تلك الفجوة:
1. القبول بمعدلات نمو أقل في حدود ما تسمح به مواردها المحلية.
2. العمل على تعبئة الفائض الاقتصادي الكامن في مختلف قطاعات الاقتصاد القومي، الذي تستحوذ عليه الطبقات والفئات الاجتماعية الغنية.
3. اللجوء إلى مصادر التمويل الخارجي، مثل القروض والمساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية، لكي تسد بها فجوة الموارد المحلية.
وتعتبر الاستدانة من الخارج سياسة مالية قديمة قدم نشوء الدول والحكومات، تلجأ إليها الدول ذات الدخول الضعيفة والفقيرة من أجل استمرار وجودها وبقائها – أو هكذا تعتقد - ولقد بدأت أزمة ديون دول العالم الثالث منذ القرن التاسع عشر حتى مطلع الألفية الجديدة ، عبر مراحل زمنية متعددة يكتنفها الكثير من مشكلات الدفع التي تتعرض لها الدول المدينة، والمخاطر التي تتعرض لها الدول الدائنة. وشأنه شأن الكثير من القضايا الاقتصادية، يثير موضوع «الديون الخارجية» جدلا مستمرّا عمره يزيد على قرنين من الزمان. إن الكثير من الاقتصاديين يرون أن الديون الخارجية شر لا بد منه للدول النامية، وأن الديون ذات فائدة متبادلة بين الطرف الدائن والطرف المدين، إلى غير ذلك من الآراء الاقتصادية إزاء الديون الخارجية من حيث إنها المصدر الأهم للصعوبات الاقتصادية في الدول النامية.
لكن بغض النظر عما يقوله الطرف المروج لإيجابيات اللجوء إلى الاستدانة من الخارج، فإن ما نشهده اليوم هو وقوف الدول المستدينة أمام مفترق طرق، فلا هي حققت التنمية ولا هي قادرة على الوفاء بديونها الخارجية، بل إن هذه الديون وقفت حجر عثرة في طريق التنمية الاقتصادية لهذه الدول، وأمام العجز عن سداد هذه الديون واستجابة لضغوط المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد لجأت الدول النامية إلى مزيد من الاستدانة أوإعادة جدولة ديونها وتقديم الكثير من التنازلات والتضحيات التي قد تمس بسيادتها أحيانا، واستمر الصعود في حجم ديون الدول النامية إذ تضاعفت الديون الخارجية للدول النامية العربية فقط خلال عقدين من الزمان سبع مرات إذ زاد حجمها من 49 مليار دولار في العام 1980م إلى 325 مليار دولار في العام 2000م ولم تصاحب هذا الارتفاع زيادة مماثلة في الناتج المحلي.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1832 - الثلثاء 11 سبتمبر 2007م الموافق 28 شعبان 1428هـ