قد يقول البعض: ومتى كان الزنى حلالا؟ فأقول، إنه لم يكن كذلك في أي يوم من الأيام ولكن بعض بني قومنا أرادوه كذلك فعملوا على التحايل - غير المشروع - على فضيلة الزواج فحولوه إلى زنى مرفوض، يرفضه الشرع والعقل كما ترفضه الشهامة والمروءة ولكن لماذا يفعلون ذلك إذا كانوا لا يفرقون بين الحلال والحرام؟ قلت: إنهم يريدون ارتكاب المحرم ولكنهم في الوقت نفسه يريدون إراحة ضمائرهم من الشعور بتأنيب الضمير فكان لا بد لهم من البحث عن بدائل مشوهة للزواج المشروع فتوصلوا - وبمساعدة الشيطان - إلى اختراع أنواع من الزواج التي ما أنزل الله بها من سلطان وراحوا ينشرون هذه الاختراعات هنا وهناك لتعم المصلحة بين أبناء المسلمين وما أسوأها من مصلحة!
هناك ثلاثة أنواع مما يسمى بـ «زواج» وتكثر في أوساط الناس - كبارا وصغارا - هي زواج المتعة والمسيار والزواج بنية الطلاق.
ومع أن هذه الأنواع الثلاثة - سالفة الذكر - وضع لها محللوها ضوابط دقيقة لكي تكون «شرعية» إلا أن الممارسات الفعلية تثبت أنها خرجت عن مسارها إلى مسارات فوضوية تهدف إلى تحقيق المتعة بغض النظر عن الطريقة التي تتحقق بها... إحدى الصحف البحرينية نشرت تقريرا عن حالات زواج المتعة والمسيار في البحرين في عددها الصادر يوم الخميس 10 شعبان 1428 هـ ذكرت فيه أن عددا من الشباب «يتربصون بالمطلقات والارامل الشابات للزواج منهن متعة بالسر ثم يتبادلون بياناتهم بينهم للحصول على النصيب بـ «الحلال».
وتذكر الصحيفة أن أحد الشباب كان يتزوج ما بين 3 - 5 زوجات كل شهر، بينما كان أحد المشائخ يفعل ذلك حوالي أربعين مرة بهدف أعفاف النساء ومنعهن من الزنا! أي أن هدفه شريف ولمصلحة المحتاجات فقط...
أما زواج «المسيار» فيبدو أنه منتشر في البحرين مثل انتشاره في السعودية، فقد نقلت الصحيفة عن الشيخ صادق الجمري صاحب مكتب الوسيط للاستشارات والعلاقات الاجتماعية قوله: إن عدد زيجات المتعة والمسيار لا تقل عن مئة حالة يوميا وتجرى بتكتم وسرية تامة بين المتمتعين والمسياريين».
تخيل مئة حالة زواج يوميا في بلد صغير مثل البحرين فكم يكون العدد في السعودية كل يوم؟
زواج المتعة يتم بالتوافق المباشر بين الرجل والمرأة ولا يحتاج إلى شهود أو توثيق أو موافقة ولي الأمر ومن هنا جاء الخلل الواضح في التطبيق والذي يعرفه كل متمتع أو متمتعة أما زواج المسيار الذي تسقط فيه الزوجة حقها في النفقة والمبيت وكذلك إشهار الزواج فقد أبطله بعض علماء السنة، كما أنه يتنافى - من وجهة نظري - مع أبسط قواعد الرجوله والشهامة فإذا كان «الرجل» لا يستطيع الانفاق ويمنعه الخوف من إعلان زواجه فلماذا يفعل ما لا يطيق ويعرض نفسه وغيره لكثير من المشكلات؟
لكن الزواج بنية الطلاق هو آفة تلك الزيجات وأكثرها فسادا - هكذا أعتقد - لأن الزواج منذ بدايته يقوم على الغش، غش على الفتاة وغش أهلها، والمؤكد أن الفتاة وأهلها لو علموا بنية الخاطب لطردوه فورا، ولأنه يعلم ذلك لجأ إلى الغش والاحتيال ليحقق مآربه من الفتاة ثم يقذف بها بعد قضاء حاجته منها...
قد يقول البعض إن هذه النية ليست ملزمة بالطلاق - مثل المتعة - ولكن القول شيء والتطبيق شيء آخر فكثير من الذين يبحثون عن هذا النوع من الزواج لا يدققون كثيرا ولا قليلا في سيرة «الزوجة» القادمة فلتكن ما تكون لأن طلاقها لن يتأخر كثيرا بحسب نيته... وأعرف أن هناك مكاتب متخصصة لتسهيل هذا النوع من الزواج وأعرف - أيضا - أن الفتاة وولي أمرها يعرفون نية الزوج القادم ولكن البحث عن المال الذي يتكرر سريعا وبعد كل طلاق يغريهم بالموافقة وتكرار التجربة الواحدة تلو الأخرى.
أعرف أن هناك من حرم هذا النوع من الزواج باعتبار أن الأصل في الزواج - أي زواج - الدوام والاستمرار، وأن الأصل في الزواج الصدق والوضوح وهذا لا يتحقق مطلقا في ما يسمى الزواج بنية الطلاق وأعرف - أيضا - أن الذي يمارس هذا النوع من الزواج بعض الأثرياء الذين لا يهمهم إنفاق بعض المال لتحقيق متعهم ومحاولة إرضاء ضمائرهم زورا وبهتانا!
السلسلة لم تنته بعد فهناك أنواع أخرى تم اكتشافها ويتم تحديثها يوما بعد آخر، وممارسوها يرون حلها وكما يقال: «الحاجة أم الاختراع».
يتحدثون عن زواج «المسفار» الذي تدفع فيه «الزوجة» مالا لمن يتزوجها أثناء سفرها ثم يطلقها بعد ذلك. ويقال أن الغرض من هذا الزواج أن يكون مع المرأة محرما أثناء سفرها ليكون سفرها حلالا فهي تلجأ إلى هذه الوسيلة المحرمة لتصل - حسب اعتقادها - لشيء حلال...
أنواع أخرى من الزواج انتشرت بين شباب مصر وتحدثت عنها صحفهم وإعلامهم فقد سمعنا عن زواج «الوشم» و«السن» و«الدم» ولعل هناك أصنافا آخرى غابت عني.
فالنوع الأول يتم بأن يكتب «الزوج» اسم «زوجته» على ذراعه بالوشم وتفعل هي الشيء نفسه وبهذا يتم العقد ويصبح كلا منهما زوجا - شرعيا - للآخر!
أما زواج «السن» فهو أن يقلع كل منهما أحد أسنانه ويعطيه للآخر ليثبته مكان سنه المخلوع وهذا يكفي ليكون أحدهما زوجا للآخر!
وأبسط تلك الأنواع زواج «الدم» ويكفي فيه أن يجرح كل منهما يده ويضعها على جرح الآخر فتختلط الدماء ويصبح الزواج تاما والحمد لله!
أين تكمن المشكلة في هذه الفوضى التي لا نهاية لها؟ هل هي من العلماء أم من المثقفين؟ هل هي من الإعلام الفاسد أم من الأسر التي لا تعرف ماذا يفعل أبناؤها؟
أعتقد أن الجميع يساهمون في صنع هذه الفوضى التي تدمر المجتمع وتقضي على أهم لبناته وهي الأسرة ومكوناتها...
وأعتقد أن الجميع يساهمون في صنع هذه الفوضى التي تدمر المجتمع وتقضي على أهم لبناته وهي الأسرة ومكوناتها...
وأعتقد أن بعض «العلماء» يتحملون الوزر الأكبر من هذه المأساة لأنهم يحلون أنواعا من الزواج يعرف معظم الناس - وربما جميعهم - أنها محرمة ومن هنا ينطلق آخرون في القياس عليها فيخترعون أنواعا أشرت إلى بعضها وربما هناك غيرها؟ المهم زواج يريح بعض الضمائر المهترئة ويحقق لها بعض المتع الرخيصة...
الإعلام العربي مسئول بشكل مباشر عن بعض المفاسد التي يرتكبها الشباب لأنه يبث مواد جنسية تفجر طاقاتهم فيصعب عليهم السيطرة، وقبله بعض القنوات الفضائية التي تخصصت في نشر الأفلام الإباحية التي تدمر قدرات الشباب وتدفعهم إلى الفساد الأخلاقي بكل أنواعه.
المجتمع بكل فئاته وبكل مسئوليه وبكل وسائل إعلامه وثقافته مسئول عما يصيب أبناءنا وبناتنا من دمار يهدد حياتهم ومستقبلهم ويهدد بالتالي بلادنا العربية كلها ومن هنا لا بد من تضافر الجهود للتخفيف من تلك المعاناة التي نعرفها جميعا ونشتكي منها جميعا...
أما التحايل على الحرام بأية وسيلة كانت فهي مسئولية عظمى أرجو أن يتراجع عنها قائلوها فهل يتراجعون؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1831 - الإثنين 10 سبتمبر 2007م الموافق 27 شعبان 1428هـ