تكتب الصحف البريطانية والأميركية بقلم كبار المحللين فيها حول الموضوع الإيراني، وكان الصراع الدولي مع إيران وبالذات بقيادة الولايات المتحدة قائم من دون أي شك.
المسألة التي لم تحسم هي متى، وتحت أية ظروف يمكن أن ينشب الصراع، وما هي وسائله وما مستواه.
النظام الإيراني ليس مطالبا بالذهاب إلى ذاك المستوى من التحدي المتعاظم للنظام الدولي الذي يجلب عليه المتاعب، فحتى في حالة حصوله على رادع نووي عسكري، فإن استخدام هذا الرادع قد يكون قليل القيمة، إلى درجة عدم نفعه. اليوم وبعد اتفاق مع كوريا الجنوبية لحل مسألة ملفها النووي، بقيت إيران فقط هي محط الكثير من السخط السياسي والضخ الإعلامي السلبي، إلى درجة أن التصريحات القادمة من الغرب تقود المتابع المستقل إلى توقع اندلاع الصراع لا محالة.
جورج بوش الابن والإدارة الحالية في واشنطن سيكون لها من الوقت حتى العشرين من يناير/كانون الثاني 2009، أي أكثر من عام وثلاثة أشهر لتقرر كيف تتصرف مع الموضوع الإيراني، الآن حتى لو حل ذلك التاريخ، من دون اندلاع صراع ما، فإن الإدارة الأميركية القادمة سوف لن تكون أقل حماسا في الموضوع الإيراني، بل ستفتح الملف على مصراعيه.
السيدة هيلاري كلينتون، وهي في مقدمة السباق على الرئاسة الأميركية من الحزب الديمقراطي، كان لها تصريحات تنم على التأكيد على عدم التسامح مع إيران تحت أي ظرف من الظروف، ومن يأتي بعدها في السباق الرئاسي وهو براك اوباما له تقريبا التوجه نفسه. وهي توجهات تساير روح تصريح الرئيس بوش الأخير، والقائل إنه لن يسمح لإيران بأن (تحرق الشرق الأوسط). حتى المرشح الديمقراطي اليساري والذي كانت له تصريحات ناعمة سابقة تجاه إيران، ما لبث أن تشدد عندما ارتفعت حظوظه في السباق، فقد صرح جون ادوارد أخيرا أنه لا يسحب من التداول أي طريقة ممكنة لوقف إيران من التسلح النووي العسكري بما فيها طبعا استخدام القوة العسكرية.
حقيقة الأمر أن أي من المرشحين للرئاسة المتقدمين في السباق، من الحزب الديمقراطي لا يرغب في التراجع عن موقفه الصقوري تجاه إيران، إن حصول إيران على القوة النووية العسكرية قضية غير مقبولة نهائيا من أي طرف سياسي في الولايات المتحدة، وأمام موقف الاصطفاف الجديد الأوروبي مع الولايات المتحدة، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، يصبح العالم الغربي، بما فيه اليابان، موحدا ضد ذلك الاحتمال. في الوقت الذي يستفيد المرشحون الديمقراطيون للرئاسة في معارضة سياسة بوش في العراق، فهم على استعداد لاستخدام القوة تجاه إيران، كما تنبئ عنه تصريحاتهم العلنية.
«كل الاحتمالات، من الموقف من إيران، يجب أن توضع على الطاولة في المستقبل» هذه هي الروحية التي يتناول بها الساسة الأميركيون في عام السباق على الكرسي رقم واحد في البيت الأبيض.
على الجانب الآخر لا تستطيع إيران أن تحقق الكثير في مثل هذا التحدي الحاد، فهي من جهة لا تقنع كثيرين بالقول إنها تحتاج إلى طاقة بديلة، خصوصا مع توافر الطاقة الاحفورية بغزارة في الأرض الإيرانية، وارتفاع ثمنها العالمي. كما أنها لا تستطيع أن تسوق مثل هذا الأمر وهي في حالة خلاف شديد مع معظم الدول، وهو خلاف يقوده الرئيس الإيراني الحالي، وكل ما برد جدده بتصريح ساخن، والذي يبدو أن لا وقت له لمتابعة الشأن العام الإيراني من اقتصاد إلى سياسية، من كثرة إطلالته على الساحة الإعلامية شاجبا مهددا.
في مرحلة الوفاق الإيراني العالمي الذي قاده الرئيس السابق محمد خاتمي استطاعت إيران أن تبني جسورا مديدة مع آخرين، سواء في الجوار أو على الصعيد الدولي، ولم تكن إيران الدولة أو حتى الثورة، وقتها قد غيرت من جلدها، إلا أن الطريقة التي اتبعها خاتمي وفريقه في الحكم بدبلوماسية عاليه، كانت طريقة عقلانية هادئة، مكنت من استمرار المشروع النووي الإيراني بهدوء أثناء حكمه ومن دون ضجيج كثير.
اليوم يبدو أن الأمر على خلاف ذلك، وتفقد إيران التعاطف يوميا تقريبا بسبب التصريحات التي تنتشر يمنة ويسرة من قادة إيرانيين سواء تهديدا للجوار أو ما بعد الجوار.
الوسائل الإيرانية الأخرى للضغط على الغرب إما أنها غير فعالة، أو أنها تجلب إلى المعسكر الآخر قناعات فوق قناعاته بسرعة ضبط مسيرة التشدد الإيراني، فلا هي قادرة أن تحقق أكثر مما حققت في العراق، كما أن حساباتها الأخرى ليس بالضرورة دقيقة، في إثارة القطاع الشيعي ضد أرضه ومكان نشأته إرضاء لسياستها المتشددة، وهو أمر يقلل من شعارات الجمهورية الإيرانية في تجاوز الفئوية والطائفية، أما فهم المصالح الأميركية وتهديدها في الخليج فهو فهم قاصر، لأن مصالح الولايات المتحدة التي ستدافع عنها هي في شرق المتوسط، ولن يرف لها جفن في حالة استهداف إيراني للخليج، لقد ترك الخليج لثماني سنوات يسمع المدافع من حرب الثماني سنوات من دون تدخل أميركي نشط.
النقاش ضد التشدد أخذ يتعاظم حتى في الداخل الإيراني، فعلى رغم كل الخطوات التي تروم استبعاد النقاش في الساحة السياسية الإيرانية عن طريق رمي أصحابها بتهم قد تصل في بعضها إلى الخيانة، إلا أن النقاش يزداد تسارعا في إيران، ويطرح الكثير من الأسئلة من جملتها هل إيران أفضل وهي في طريق الصراع، أم هي أكثر استقرارا وهي في وادي الانسجام الدولي؟
المراهنة على تغيير في البيت الأبيض تجاه الموضوع الإيراني هي مراهنة خاسرة، القناعة الشاملة الأميركية والغربية على السواء أنه ما أن تصبح إيران نووية فإن أي تأثير عليها يصبح ليس ذي شأن، وتبيت مصالح الولايات المتحدة في المنطقة في يد طهران لا غيرها، والمصالح هنا مرة أخرى الموقف من «إسرائيل». أمام هذا الاحتمال فإن اندلاع الصراع قادم لا محالة، السؤال هو متى وكيف، وليس إن كان واقعا أم لا؟
إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"العدد 1831 - الإثنين 10 سبتمبر 2007م الموافق 27 شعبان 1428هـ