رجع الحاج حسن من السوق مبكرا على غير عادته، جلس واضعا يده على خده وشفتاه تتحركان... نظرت إليه أم علي وسألته عن سبب رجوعه المبكر، فأجاب: «والله يا أم علي الواحد يجيه قهر غصب زور، يعني الميوه والخضرة تطفر أسعارها بس لأن شهر رمضان جاي والتجار يعرفون إن الناس لازم بتشتري»!

قائمة المشتريات كانت في يد أم علي وناولتها الحاج حسن. نظر إليها برهة ونظر إلى أم علي وعاد إلى القائمة مرة أخرى... أخرج قلما من جيبه وأخذ يحذف من القائمة ما لا يراه مهما «ما إلينا حاجة في المهلبية، يعني بنموت جوع إذا ما أكلنا مهلبية، ولا نبغي قيمات ولا بلاليط، ولا حتى بشتري زعفران، الشاي أحلى بدونه، وليش كاتبة تبغين هريس، ما سمعتين يقولون الهريس موزين إلى الضغط والسكري، لازم تبغين تمرضينه يعني»!

تصفية القائمة استمرت ووصل الحاج حسن إلى البامية، وحينها أخذ يفكر فرجع إلى اللحم وحذفه أيضا وقال: «أم علي، السنة ما نبغي صالونة لحم، وش رايش تسوين لينا صالونة بامية وناكل ثريد على بامية، صدقيني أصح من اللحم، وش لش بالدهون والدسامة، خلاص نكنسل اللحم من القائمة ونضيف بداله بامية ولوبة، عشان إذا زاد سعر البامية تسوين لينه ثريد على لوبة»!

أشاحت أم علي بوجهها عن الحاج ودخلت المطبخ وهي تقول: «روح هر على غيرنا، يمكن شيبت وخرفت والخرف هالزمن أشكال، واحد يخرف ويهيت في البر، أو واحد يخرف ويخلط بين الأكل، ويقعد يهر وهذا إنته الحين»...

ربما يكون الحاج حسن محقا فيما ذهب إليه، وربما يكون خرفه في محله، فالأسعار التي ترتفع يوميا تسبب الخرف المبكر، فإذا كانت موازنة الشهر الفضيل 50 دينارا قبل سنتين، فهي اليوم 100 دينار أو أكثر، لأن الأسعار تضاعفت بصورة جنونية، وهذه الطفرة شملت «العيش» والسكر والدهن، وبقية المواد من دون استثناء. ولو أن الحكومة الفاضلة عمدت إلى دعم الأسر بزيادة في الرواتب أو «بونس» أو صدقة أو أيا يكن لخف وطء المعضلة قليلا، وسيقال إن الأسر الفقيرة المسجلة لدى وزارة الشئون ستحصل على مساعدات وغيرها من الأسر المسجلة في المؤسسات الخيرية، ولكن ماذا عن بقية الأسر التي صنفت على أساس أنها أسر متوسطة الدخل وهي تمثل نسبة كبيرة من شعب البحرين، ونعني بها الأسر التي لا يكفيها دخلها الشهري حتى منتصف الشهر؟... نتوقع لها مفاجأة سارة سيعلن عنها قريبا، ونعتقد بأن هذه المفاجأة ستكون المساهمة في دعم حملة الحكومة ومساعدتها في شراء مولدات وكابلات الكهرباء، فشعب البحرين بعضهم لبعض فما المانع من تخفيف الأعباء على الحكومة، فلا نتصور بأن موازنتها - خلها مستورة - ستكفي لكل المتطلبات!