العدد 1831 - الإثنين 10 سبتمبر 2007م الموافق 27 شعبان 1428هـ

إدارة بوش... والحروب العبثية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تخسر إدارة جورج بوش حربها السياسية بعد أن فشلت في كسب معركة الأفكار؟ المنطق يقول إن من يفشل في ترويج فكرته في ساحة المعركة تصبح حربه السياسية في وضع بائس ولا معنى لها. وهذا ما بدأ يظهر بعد دخول إدارة واشنطن حربها العبثية ضد الإسلام والمسلمين. فالحرب الفكرية أنتجت ردود فعل مضادة لا تنسجم مع تلك الوعود التي أطلقتها الإدارة في مطلع إعلانها ذاك الهجوم الاستراتيجي في نهاية العام 2001. ومن يراجع أرشيف التصريحات الوردية التي ادعت الإدارة أنها تخطط لقيامها يكتشف أن واشنطن سحبت من سوق التداول كل تلك المفردات التي أطلقت لتضليل الرأي العام وخداع الناخب الأميركي (دافع الضرائب) بوجود أهداف عادلة ونبيلة من وراء سياسة تحطيم البنى التحتية وتقويض الدول.

انكشفت حروب تيار «المحافظين الجدد» الفكرية بعد اصطدامها بواقع معقد يصعب احتواء قوانينه وآلياته من طريق الكسر والتحطيم و «الضرب من الخارج». وأدى انكشاف اللعبة الايديولوجية إلى انفضاح الأهداف الحقيقية من وراء تلك الحملة الكبرى. الوقائع الميدانية أعادت ترسيم حدود اللعبة السياسية وظهرت الغايات الشيطانية التي استهدفت زعزعة الاستقرار وخلخلة البنى الاجتماعية وتمزيق العلاقات الأهلية تحت سقف أطلق «المحافظون الجدد» عليه تسميه «الفوضى البناءة».

منطق «الفوضى» قام على ايديولوجية الهدم ثم التركيب. أي تبدأ القوة الخارجية بتقويض ما هو قائم ثم تأتي المرحلة التالية وهي إعادة بناء هيئات (مجسمات) ترى إدارة بوش أنها صالحة أو مناسبة لشعوب المنطقة.

إلا أن هذا المنطق نجح في شقه الأول (التقويض) وفشل عن قصد في شقه الثاني (البناء). والسبب أن تيار «المحافظين الجدد» لم يكن في جدول أعماله خطة ثانية. وهذا ما ذكره وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد لقائد القوات البريطانية في العراق في العام 2003. رامسفيلد رد ببساطة على سؤال بشأن إعادة بناء العراق فقال: ليس من وظيفة الجيش الأميركي بناء الدول.

حين تكون وظيفة الجيش الأميركي تحطيم البنى التحتية وهدم المؤسسات ونهبها وحرقها وتقويض الدول فكيف يمكن إعادة البناء أو الترميم أو الإصلاح أو تأسيس «نموذج يحتذى» لشعوب المنطقة الراغبة فعلا بالتطور والتقدم والنمو والتنمية.

رد رامسفيلد المغرور بسياسة القوة يعطي فكرة موجزة عن سؤال: هل تخسر إدارة بوش حربها السياسية بعد أن فشلت في معركة الأفكار؟

التطورات الميدانية تشير إلى مثل هذا الاحتمال وخصوصا أن إدارة واشنطن تواجه حملة داخلية مضادة يقودها الحزب الديمقراطي، بوضوح أو بخجل أحيانا في الشارع أو الكونغرس، تعترض على ذاك المنهج الذي تسير على إيقاعه الولايات المتحدة في سياساتها الكبرى وعلاقاتها الدولية.

حملة الحزب الديمقراطي ليست منعزلة عن تأثيرات «الخارج» في صوغ توجهات «الداخل». فالحزب المنافس على انتخابات الرئاسة في العام المقبل يستفيد يوميا من تلك الأخطاء التي ترتكبها إدارة الحزب الجمهوري في العالم. وهذه الأخطاء التي تراكمت دوليا أربكت بوش وشوشت قدرته على التركيز الذهني وبات يكثر من تلعثمه وزلات لسانه. قلة الانتباه التي أخذت تسيطر على تصرفات بوش تؤكد فعليا وجود مشكلة سياسية في إدارة المصالح الأميركية.

المعركة السياسية

الفشل في معركة الأفكار شكلت خطوة أولية وبدأت تمهد الطريق نحو تكرار الفشل في معركة السياسة. فالتصريحات التي أطلقتها الإدارة وعلى أكثر من صعيد ومسئول بشأن خرائط منطقة «الشرق الأوسط» وإعادة هيكلة دولها وتنظيم علاقاتها بما يتناسب مع رؤى تيار «المحافظين الجدد» وتصوراته أخذت تخف وتتراجع بعد العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان في الصيف الماضي. والسكوت عن تلك المشروعات والتسميات يعني خطوة في اتجاه التفكير بسحبها من سوق التداول.

إدارة بوش إذا فشلت خلال ست سنوات في معركتها الفكرية وباتت قاب قوسين من إعلان فشلها في معركتها السياسية. وحين تتوقف دولة كبرى عن الترويج لنموذجها وتعيد النظر في سياسة نشر مشروعاتها البديلة لترميم واقع نجحت في تقويضه عسكريا فمعنى ذلك أنها دخلت في طور الضمور ولم تعد قادرة على الدفاع عن أفكار اعتبرتها سابقا نهائية وغير قابلة للنقاش أو الرد أو التفاوض بشأنها.

الفشل الفكري يشبه الفشل الكلوي في جسم الإنسان. فهو يتعطل جزئيا ثم يأخذ بتعطيل آلات الجسم. وهذا ما بدأت إدارة بوش تعاني منه الآن. فالإدارة تواجه مشكلات حقيقية مع جيرانها في حوض دول أميركا اللاتينية. وهي تواجه منافسة حادة من أوروبا التي تشتغل على إطلاق نموذج لا ينسجم بالضرورة مع تصورات الولايات المتحدة. وهي تواجه تحديات جدية من روسيا الصاعدة أو من قوة الصين الاقتصادية. وكل هذه التحديات والمواجهات التي أخذت تتشكل في مناطق وزوايا كثيرة من العالم تجمعت لتضغط على حلفاء أميركا حتى تلك الحلقات الضيقة والقريبة جدا من الولايات المتحدة. فالسلسلة الدولية التي قادتها وتقودها إدارة بوش منذ العام 2001 أخذت تتفكك وبدأت كل حلقة منها تبحث عن مخرج خاص للتهرب من مسئوليات مكلفة ولم تعد مربحة فكريا أو سياسيا.

الفشل الفكري الذي بدأ يمهد الطريق لدخول إدارة بوش في طور الفشل السياسي لا يعني أن الولايات المتحدة باتت عاجزة عسكريا. فأميركا لاتزال الدولة الأولى والأقوى عسكريا (موازنة الدفاع، التوظيفات الضخمة في مؤسسات التصنيع الحربي) وهي قادرة على خوض سلسلة حروب وتحطيم بنى تحتية وتقويض دول. ولكن ما فائدة التدمير إذا كان الطرف الأقوى في المعادلة العسكرية لا يملك القوة الفكرية أو النموذج السياسي أو الإمكانات البشرية التي تسمح له بإعادة إنتاج تصوراته ميدانيا. التحطيم من أجل التحطيم، والتقويض من أجل التقويض ليس سياسة وإنما منهجية تولّد انهيارات اجتماعية وأهلية تساهم في إطلاق شرارات حروب صغيرة لن تكون مصالح الولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط» الكبير أو الصغير بعيدة عنها. وما حصل في أفغانستان وفلسطين والعراق ولبنان والصومال يشكل عينات صغيرة عن مشهد كبير يمكن أن ينفجر في داخل المساحات الجغرافية التي تسكنها شعوب المنطقة، ولكنها ستكون في المحصلة الأخيرة ضد الوجود الأميركي وتموضعه العسكري وما يعنيه التموضع من امتدادات للمصالح الاقتصادية.

إدارة بوش الآن أمام مفترق طرق وهي مترددة في اختيار الأسلوب الأصلح في التعامل مع شعوب منطقة تعاني التمييز وازدواجية في المعايير. فالإدارة وجهت دعوة لعقد «مؤتمر دولي» في الخريف المقبل في وقت لاتزال ترسل إشارات غامضة بشأن الحل العادل للقضية الفلسطينية وما يتفرع عنها من تداعيات وتداخلات. هناك ارتباك في الإدارة السياسية للمصالح الأميركية. وهذا التشويش لا يخدم السياسة الأميركية بقدر ما هو يعكس ذاك الضياع الذهني الذي يعاني منه رئيس دولة أعتقد في يوم من الأيام أنه «الرجل المختار».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1831 - الإثنين 10 سبتمبر 2007م الموافق 27 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً