العدد 1830 - الأحد 09 سبتمبر 2007م الموافق 26 شعبان 1428هـ

هل ينتصر المجتمع على «هوامير النهار»؟!

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

دائما في كل الأدبيات الإنسانية بل وحتى الإعلامية المعاصرة يرمز للظلم بالظلام، لأن الظلام أكثر كلمة تحوي العتمة. ولكن أسمحوا لي أن أكسر القاعدة هذه المرة، لأنني لست محتاجا لاستخدام الظلام للكناية عن ما أريد أن أبوح به، ففي بلدنا تغير كل ما يمت بأسطورة الظلام في الأدب الإنساني، لأن السرقات أكفتنا الاستعارة المجازية، فهي تجري في وضح النهار!

وإذا جاز لنا أن نسمي عامنا الذي نحن فيه «2007» فلنسمه «عام يقظة المجتمع على مسلسل سرقة وتدمير البيئة»، ففعلا حملت الشهور الماضية نوعا جديدا من الحراك المجتمعي في ملف خطير كان مهملا أو مسكوتا عنه في السابق، ربما لأن كثيرا من الناس كانوا يجهلون أهمية هذا الملف، وأقصد ملف الحملة الهمجية والجائرة التي قام ويقوم بها المتنفذون على بيئة البحرين، ولم يفق البحرينيون بعد سبات عميق إلا على 3 في المئة من شواطئهم.

ونسجد لله شكرا لأن «حقيقة أن ما تبقى من سواحل البحرين لا يتعدى الـ 3 في المئة» لم يكشفها أحد من الموالاة ولا المعارضة حتى نفتح التشكيك فيها، وإنما هذا الرقم المثير والخطير في آن، أوردته شركة استشارية دولية مستقلة هي «سكديمور» وبطلب من الحكومة البحرينية، واحتوى التقرير حقائق غائرة، ولذلك أنا أشعر أن المماطلة في عرض هذا التقرير الذي يتناول المخطط الهيكلي الاستراتيجي للمملكة على الرأي العام طيلة تلك الفترة وحتى الآن أمر مبهم، وإحالته(أي التقرير) إلى لجنة مختصة - وأضع قوسين أمام مختصة - أمر أدهى وأكثر خطورة، فالنواب والبلديون وجميع شرائح هذا المجتمع من حقهم أن يطّلعوا على هذا التقرير الآن قبل أن يتعرض لـعملية فلترة وقسطرة لإزالة الشوائب غير المرغوب فيها، والتي تسميها الحكومة «زوائد هامشية» في حين يرى المجتمع أنها «فضائح حقيقية»!

سيف أمن الدولة رفع الحرج على الناس من تحميلهم المسئولية عن التقصير في مواجهة مسلسل وضع اليد، فطيلة الثلاثين عاما تركت مسألة الأراضي والهبات كسلطة تقديرية لدى قمة الهرم السياسي من دون تأطير هذه العملية بقانون، واليوم في 2007 نكتشف أن صورة جزيرة البحرين قد تغيرت كثيرا عما هي عليه قبل أعوام حتى، فعمليات الردم المتسارع ليلا ونهارا للبحار الضحلة بل والمياه الإقليمية أضحت وكأنها أمر واقع يقف المجتمع منها موقف المتباكي لكنني آمل ألا يكون بكاء الأطلال.

صحيح أن برلماننا بلا أنياب حقيقية، ولكنه ولحسن الحظ تجاوب هذه المرة مع ما أثاره الإعلام بشأن ملف الجزر والفشوت التي تكتنف مصيرها هالة من الغموض، وهنا تكمن قوة الإعلام الحر في أنه قادر على جبر السلطات الأخرى تنفيذية أو تشريعية على القيام بجزء من واجبها تحت وقع الإحراج الشديد الذي تقع فيه أمام الشعب. والمقدار المتوافر من الحرية التي صنعها جلالة الملك كفيلة بأن تكون مظلة كافية لمواصلة طريق كشف السرقات المتواصلة على قدم وساق على كل منطقة من مناطق البحرين، ومفروغ منه أن القصد ليس التصيد على بعض قوى الدولة وأجهزتها ولكنه عمل ضروري من أجل أن يعود هؤلاء إلى رشدهم.

المشكلة معقدة وحلها ليس سهلا البتة، لأن من الصعب جدا بل أحيانا يكون من حكم المستحيل أن تثبت بمستندات قانونية سرقة أية قطعة حتى لو كانت بسيطة، فما بالك بسرقة الهكتارات من الأراضي والسواحل والبحار، لأن من سرق ليس شخصا بقدر ما هو حلقة متصلة، فالذي سرق أرضا، من سهل له لكي يلحقها باسمه؟ أليس الجهاز المعني بالتسجيل، ومن ثم من منح له إذنا بالبناء وإمداد الأرض المسروقة بالخدمات التي طالما حرم منها من هو أحق بها، ويجب أن نكون على قدر ولو قليل من الذكاء، فكل هذه العملية جرت تحت مسمع ومرأى من قبل المسئولين التنفيذيين ولم ينطق القضاء ببنت شفة، لأن الموضوع إذا أردنا أن نبسطه هو شبكة مصالح عنكبوتية لا تعرف لها رأسا أو ذيلا.

وحتى بالنسبة للسواحل والبحار، فكلنا يعلم من أخذ ومن يأخذ الآن وربما نعرف من سيأخذ غدا، لكن أحدا منا لا يجرؤ على نطق الحقيقة، أما أنه مستفيد من هذا الوضع، ونموذج هؤلاء تبخس الأوطان في قواميسهم، أو أنه يختبئ خلف جدار أسمنتي واهم اسمه «اتقاء الفتنة» ولكن ألا في الفتنة سقطوا، وما يبشر بالخير أن هؤلاء اليوم هم أقرب إلى القلة المعزولة عن الكثرة الواعية التي تعيش هم وطنها وآلام أبنائه.

لقد اقتربنا من مساحة كانت في الماضي محظورة، ووقفة المجتمع المساندة للملفات البيئية تستحق الشكر بل طأطأة الرؤوس، وكم فرحنا بالمزاوجة الفاعلة والهادفة بين «الإعلام والبرلمان و نشطاء البيئة»، واليوم نشأ تحالف جديد، وبالتأكيد بأن تحالفا استراتيجيا كهذا ليس قائما على الطائفية فانه يرعب بالضرورة من يمارس من دون خجل عملية مصادرة ثروات الشعب في وضح النهار، وهذا التحالف يجب أن يكون مصحوبا مع حراك شعبي متعقل، وسنستطيع حين نعمل معا أن نسجل بعض الأهداف في مرمى فضح ما يجري من انتهاكات صارخة لبيئتنا ولثرواتنا، ولجريمة سرقة كل ما في هذا الوطن من جماليات.

في ما مضى من شهور شهدنا تحركا في مساحة نوعية ومختلفة، وهذه المساحة كانت مندرجة في إطار الخط الأحمر الذي لا يريدون منك الاقتراب منه، وأكثر تجسيدا لهذا المعنى تعامل المجتمع مع أزمة حظور المالكية، ومن قبلها تفاعله السريع مع تفجير قنبلة إعلامية مدوية عن مؤشرات لصفقة بيع فشت الجارم، والتي تشكلت في أعقابها حوارات نيابية ساخنة، وهناك من نواب الموالاة من كشف عن وجود جزيرة تردم في شرق المحرق أكبر من جزيرة المحرق لكنه يجهل مالكها، بل وتطور الأمر إلى لجنة تحقيق برلمانية في فشتي العظم والجارم.

ما تحقق حتى الان يمكن أن يفيدنا في منعطفين مهمين، أولهما أن الحكومة نطقت وللمرة الأولى أنه لا وجود لجزر خاصة في البحرين، وهذا يدفعنا بداهة للمطالبة بفتح جميع الجزر لكل المواطنين وحتى المقيمين ترجمة للتأكيد الحكومي، وبدلا من أن نسافر لدول مجاورة أو بعيدة على مستثمرينا أن يسارعوا في تقديم طلبات إعمار هذه الجزر وتزويدها بالخدمات ليرتادها المواطنون والمقيمون والسياح.

والفائدة الأخرى من هذا التحرك هو توجيه دعوة عاجلة ولتكن مناشدة لكل النواب والبلديين لتشكيل لجان أهلية في كل المدن والقرى الواقعة على خط أرخبيل البحرين للمطالبة المدروسة بعودة السواحل وليرسم خط في كل ساحل يبين حدود الملكية العامة لتحويلها لمتنفس للأهالي من الحد حتى المالكية، لنعيد شيئا من صورة جماليات دلمون المفقودة التي سمعنا عنها في الأساطير وتغنى بها «آلهة دلمون الأولون»، لكننا لم نرها عيانا.

ومن المالكية والفشوت، نقلنا قطار سرقة وتدمير البيئة إلى محطة جديدة، وهي خليج توبلي، ولا شك في أن هناك حصارا إعلاميا فرض على هذا الخليج على رغم جهود البرلمان السابق، لأن من خطط وقسم وباع مساحات واسعة من هذا الخليج الغني بالشعب المرجانية و الثروات البحرية سعى لأن يكون كل ذلك في خلسة من الزمن، وكالعادة يفيق الناس في بلدنا متأخرين، ولكن بالتأكيد يقظتهم المتأخرة خير من سباتهم السابق ذاك، واليوم الدولة وعدتنا بلملمة شيء مما تبقى من هذا الخليج، و أنا من دعاة أن نعطها فرصة لنختبر جديتها في التصحيح، ولكنني لست مع (ضد) الوعود العائمة غير المصحوبة بجدول زمني أو آليات تطبيق من شأنها أن تنقذ الخليج.

نثمن عاليا التحرك الإعلامي والنيابي ولكن يجب ألا نعلي سقف التوقعات من لجان التحقيق البرلمانية ولا حتى من الجهود المجتمعية،لأن الخصم في هذه المسألة هو الفيصل، ولذلك فمن الصعوبة بمكان أن يترك السارق خلفه أثرا قانونيا يعتد به، لكن الأهم من الوثائق هو معرفة الجميع أن هذه الأرض ذهبت عن طريق وضع اليد عليها.

أنا فخور على رغم كل المحبطات، لأن المجتمع تقدم خطوة مهمة إلى الأمام، وحتى إذا كانت قوى المجتمع المختلفة من برلمان ومجالس بلدية وفعاليات شعبية قادرة على إيقاف مخطط سرقة أو تدمير البيئة والثروات (وأصر على وجود مخطط، لأن الأمر ليس عفويا ولا اعتباطيا)، وهناك جيوب مليونية ومليارديرية امتهنت الإثراء السريع وغير المشروع، لا يسد جشعها شيء، وصحيح أن المجتمع قد لا يكون قادرا على ردعها، لكنه قادر بالضرورة على توثيق هذه الجريمة، وهذا التوثيق مهم، لأنه يمثل رمزية ذات دلالات عميقة، والمثل البحريني يقول: «بن بطني يعرف بطني».

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1830 - الأحد 09 سبتمبر 2007م الموافق 26 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً