العدد 1829 - السبت 08 سبتمبر 2007م الموافق 25 شعبان 1428هـ

التناقض الوهمي الباكستاني

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بينما أحتفلت باكستان بالذكرى الستين لاستقلالها هذه السنة، استمرت الاضطرابات السياسية والمشكلات المزمنة مثل ارتفاع نسبة الأمية والخدمات الصحية غير المناسبة. إلا أن هناك قصة لم تروَ: تمر باكستان بفترة إعادة إحياء ثقافية وسياسية.

وتعكس ثورة إعلامية حقيقية، من مظاهرها ثلاثون قناة تلفزة مستقلة، ألوان باكستان المتنوعة وآراؤه المتشعبة وثقافته الدينامية. كما يمكن تمييز روح ثقافية جديدة منتشرة في الموسيقى والفن الباكستاني، معمقة في الألوان والنسيج، تعرض شعورا عظيما بالفرح والارتباط في المشاعر.

ويوجد جنبا إلى جنب مع التضخم والفساد وانعدام الأمن والصراعات في بلوشتسان والمناطق القبلية المتحاربة في منطقة القبائل، شعور بالتجديد والفرح المتذمر. إلا أن الفرح مقتصر على مناطق محددة. لذلك يبقى هذا التجديد في باكستان غير مرئي إلى درجة بعيدة من قبل العالم الخارجي.

إلا أن هذا الإيقاع الجديد يظهر بشكل موازٍ لمشكلات باكستان المزمنة من الديمقراطية التي يرشدها الجيش وعدم التسامح والميليشيات العنفية المسلّحة.

أصبحت برامج الحوار التلفزيونية تتمتع بشعبية مثلها مثل البرامج الترفيهية. أصبح الباكستاني العادي، وبسرعة رهيبة، أكثر ثقافة فيما يتعلق بالقضايا الوطنية. أخذ الباكستانيون يتّحدون عبر الفجوات الأيديولوجية والطبقية والعرقية ليشاركوا في الحوارات التلفزيونية.

رأب هذه الصدوع هو الكفاح من أجل العدالة والمساواة. الرغبة بالعدالة، على سبيل المثال، تربط مجموعتين تبدوان متعارضتين أيديولوجيا: هؤلاء الذين قاتلوا من دون هوادة من أجل حكم القانون مع هؤلاء في مسجد لال الذين خالفوا القانون بشكل متكرر.

كذلك تشترك حركة المحامين الذين أدت تظاهراتهم إلى إعادة تنصيب كبير القضاة افتكار شودري، مع «طالبان» الذين احتلوا دارا آدم خيل، وهي بلدة صغيرة في مقاطعة حدودية شمال شرق باكستان، في هدف مشترك.

وعلى رغم انقسامهما على محور أيديولوجي، يطالب كلاهما بالعدالة من خلال حكم القانون المفروض فرضا. «حركة طالبان» المسلحة تطالب بتأكيدات من الحكومة والمجلس الوطني للحكماء كبار السن (الجيرجا) بألا تكون هناك «أية حوادث خطف أو سرقة سيارات أو إصدار شهادات جامعية زائفة وغيرها من الوثائق الدراسية أو بيع وشراء للنبيذ أو المخدرات وغيرها من النشاطات اللاإسلامية في المنطقة».

وقد اختارت «طالبان»، التي حارب سابقوها في جهاد مسلح بقوة ضد السوفيات، المقاومة المسلحة ضد الظلم، وبالتالي تم استثناؤها من قبل الدولة، بينما اختارت مجموعة المحامين المهنية المدربة في المناطق الحضرية المقاومة السلمية المصممة. وقد وقفوا، بقيادة المحامين وبصورة سلمية لصالح حكم القانون وليس لأجل قادة سياسيين فرديين. وهم يطالبون بنظام له هيكل صالح عامل يمكن من خلاله أخيرا مساءلة أصحاب السلطة.

على رغم أن الصدامات بين قوى الأمن والميليشيات، وأعمال القتل التي يقوم بها المفجرون الانتحاريون تقلق الباكستانيين، فإن هناك واقعا جديدا بدأ يظهر، يحمل في طياته احتمال السيطرة على هذه الفترة المضطربة من الأيديولوجيات المتنازعة والرجال المسلّحين. ذلك هو واقع المجموعات المتباعدة التي تتحد بشأن نداء العدالة. في مضمون انشقاقات متزايدة، يشكل هذا التلاقي الجديد عقيدة موحّدة هناك حاجة شديدة لها هي قيد التشكيل.

الشعب الباكستاني آخذ في تبني نموذج جديد من التغيير المستقل الحقيقي، بفخر.

لقد ذاق الباكستانيون طعم نجاح العمل المدني. أخذت المؤسسات تصبح أكثر مهنية. المحكمة العليا هي أفضل مثال، فقد أصدرت ثلاثة قرارات في الأسابيع الخمسة الماضية أثبتت استقلاليتها. إعادة تعيين كبير القضاة في 20 يوليو/ تموز شكل خطوة أولى حاسمة. قرار المحكمة في 23 أغسطس/ آب السماح بعودة رئيس الوزراء السابق «من دون معوقات، بعد سبع سنوات في المنفى قد أعطى قوة إضافية للقوى السياسية المدنية أيضا. المحكمة العليا تتفحص التحركات التي تقوم بها رئاسة الجمهورية والحزب الحاكم وهيئات المخابرات والمخالفة للدستور. حتى تردد زعيمة المعارضة بنازير بوتو في دعم رئيس عسكري وقرار الثامن من أغسطس الامتناع عن فرض قانون الطوارئ، جميعها تعتبر خطوات أولى إيجابية تشهد بالإخلاص والولاء للقيم الديمقراطية.

تشكل هذه الطاقة الموحِّدة الجديدة خلفية عظيمة للديمقراطية في باكستان. وقد ساعدت أدوات الاتصال والتفاعل، كوسائل الإعلام وسهولة التنقل وتجمع عالمي متنامٍ من منتقدي الوضع الراهن، على تطور هذا المضمون.

والمثير أن جنرالا ورئيسا له نزعات ديمقراطية كبرويز مشرف مسئول عن هذا التناقض الموهم في باكستان: إطار مزدهر على ركائز مقلقلة من الديمقراطية. لقد بدأ المحامون ووسائل الإعلام إدارة عملية المساءلة والمحاسبة، ولكن لا يمكن لغير انتخابات نزيهة وحرة أن تضمن مساءلة مُمأسسة.

لقد بدأ الباكستانيون فعلا بإيجاد بيئة يمكن لديمقراطية ذات صدقية أن تعمل من خلالها. ويقود المجتمع التحرك لإعادة باكستان إلى دولة ديمقراطية دستورية. هناك إجماع بدأ يظهر بأن الديمقراطية الدستورية العاملة وحدها تستطيع حل القضايا المتعلقة بالإيديولوجيات المتناحرة والتهميش والاستثناء، وبالتالي الحد من النزاع وعدم التسامح والغضب الشديد.

يعد التقدم التدريجي ولكن المصمم للدولة الباكستانية والمجتمع نحو حكم القانون بفجر جديد في باكستان. ولكنه لا يخلو من الصعوبات. لقد بدأت باكستان رحلتها نحو بلوغ الرشد.

* كاتبة وزميلة بمركز آسيا لجامعة هارفرد، وقد كانت أستاذة مساعدة مؤقتة بكلية دراسات العلاقات الدولية بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن العاصمة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1829 - السبت 08 سبتمبر 2007م الموافق 25 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً