العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ

أوباما... والتحديات الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ملفات كثيرة أخذت تواجه الرئيس الأميركي المنتخب قبل أن يقترب موعد تسلم مقاليد السلطة. فهناك أولا معركة اختيار الفريق المساعد وتلك الإدارة التي سيعتمد عليها لتنفيذ برنامجه. ومعركة الاختيار مهمة للتعرف على خططه وسياسته وأسلوب تعامله مع القضايا الداخلية والدولية. وهناك ثانيا معركة ترتيب الملفات في إطار يمرحل الخطوات زمنيا. ومعركة الترتيب مهمة أيضا للتعرف على جدول الأولويات وما هو رئيسي وما هو ثانوي.

فترة الرئيس باراك أوباما ليست سهلة والتحديات أميركية قبل أن تكون دولية. فهو جاء في وقت صعب تعاني فيه الدولة من مشكلات أخذت تزعزع موقعها العالمي وتثير الشكوك حول مكانة دورها في إطار العلاقات الدولية. فالخزانة الأميركية شبه فارغة وهي تحتاج إلى مساعدات لتغذية حاجاتها. والموازنة العامة تعاني من عجز هائل يتطلب تدفقات مالية من الدول الكبرى الصديقة أو الحليفة أو المنافسة حتى تستطيع تلبية النفقات الصحية والتربوية والدفاعية. وميزان المدفوعات التجاري دخل في منطقة خطرة بسبب تراكم الديون وتهالك الاقتصاد وضعف القطاعات المدنية المنتجة على تسويق بضاعتها أومنافسة الشركات الأوروبية والآسيوية على كسب الأسواق.

كل هذا التراكم في العجز البنيوي سيزيد من صعوبات عهد أوباما وسيعطل على إدارته إمكانات احتواء الأزمة المالية التي ضربت البورصات العالمية وأخذت تنتقل إلى قطاعات اقتصادية تعتمد عليها مؤسسات الدولة الثابتة لتأمين الغطاء المالي الذي يوفر الاستقرار ويضمن الحد الأدنى من النمو المطلوب لضبط التوازن الأهلي والهيكل الذي يحيط بالمراكز الإنتاجية.

هذه المعضلات التي ورثها أوباما من عهد جورج بوش سترفع منسوب المشكلات التي ستتجمع وراء السد وتعطل عليه مشروعاته الخاصة وما تتطلبه من خطط تحتاج إلى تمويل لتنفيذها. فالدولة شبه مفلسة والخزانة فارغة والأسواق المالية منهارة والشركات الإنتاجية المدنية مهددة بالأقفال ومؤسسات التصنيع الحربي متوقفة عن العمل بسبب انكماش سياسة التقويض وتراجع عجلات الحروب.

الأبواب تبدو شبه مقفلة أمام إدارة البيت الأبيض في عهد أوباما، لذلك سيواجه طاقمه الإداري سلسلة تحديات داخلية وخارجية قبل أن يتوصل إلى وضع مخطط هيكلي يرتب جدول أولوياته. التحدي الأول يبدأ من مؤسسات التصنيع الحربي التي شهدت خلال فترة بوش تقدما في نموها الإنتاجي تدعمها موازنة هائلة للدفاع وتعززها موازنات أخرى لتغطية الحروب ونفقات الجيش في العراق وأفغانستان. التحدي الثاني من شركات الطاقة التي حققت أرباحا هائلة في عهد بوش ونجحت في توظيف أموالها في قطاع النفط والغاز (تنقيب، نقل، تكرير، تسويق) مستفيدة من ارتفاع الأسعار. التحدي الثالث أسواق المال إذ شهدت البورصات العالمية قبل انهيار سبتمبر/ أيلول الماضي قفزات هائلة في نمو التبادلات وأنشطة غير مسبوقة في صعود الأسهم بسبب اعتماد أنظمة مفتوحة وغير مراقبة وليست محكومة بالضوابط القانونية.

التحديات الثلاثة ليست سهلة، فهي تشكل شبكة من العلاقات الداخلية أعطتها إدارة بوش الأفضلية وقدمت لها الضمانات وفتحت أمامها كل الطرق لتتحول إلى القوة القائدة للهيكل الاقتصادي الأميركي العام. ومواجهة أوباما لمثل هذه القوة الثلاثية ليست بسيطة لأن شبكة العلاقات تحولت إلى قاعدة أساسية تتحكم بالاقتصاد الأميركي وأصبحت قادرة على زعزعة استقرار الدولة في حال قررت إدارة البيت الأبيض تقليص نفوذها وتقليم موازناتها وتوجيه الفائض من المال (ضرائب وديون) للاستثمار في قطاعات أخرى. فالمواجهة محتملة في حال توجهت إدارة أوباما إلى سياسة التحدي وهي ستكون كبيرة ويمكن أن ترتقي إلى درجة من العنف باعتبار المعركة معركة مصالح وقيادة.

القوة الثلاثية

سؤال من يقود الاقتصاد في عهد أوباما يوضح الكثير من الأجوبة في فترة السنوات الأربع المقبلة. بوش أختار في عهده مؤسسات التصنيع الحربي وشركات الطاقة وأسواق المال. وعلى أساس هذه القوة الثلاثية خاض حروبه الخارجية لتأمين حاجاتها من الموارد المالية والمواد الأولية والأسواق الدولية لتصريف المنتوجات المصنعة والمحولة وتغطية توسعها الداخلي للسيطرة (القوة القائدة) على الهيكل الاقتصادي العام. وهذا ما نجح بوش في تتويجه ما أدى إلى تعطل نمو مؤسسات الإنتاج المدني وانهيار العقارات وإنفاق الاحتياطات النقدية وتوريط الدولة بالديون الهائلة واستنزاف الخزانة العامة من الأموال.

الإفلاسات التي ضربت البورصات والمصارف ومؤسسات التمويل كانت نتاج هذه السياسة المفرطة في رهانها على السوق وآلياته، ولكنها أدت إلى إعادة تشكيل هرمية الاقتصاد الأميركي وتحويل الأولويات (أفضلية القطاعات) إلى أمر واقع من الصعب تجاوزه إلا في حال قرر أوباما خوض معركة مصالح بالتعاون مع شركات التصنيع المدني لكسر الاحتكار وتقليص نسبة الهيمنة التي تفرضها القوة الثلاثية.

المعركة الداخلية محتملة لأن أوباما لا يمتلك خيارات أخرى. فهو أما أن يستمر في سياسة بوش ويواصل اعتماده على القوة الثلاثية وهذا يعني أنه سيقوم بتأمين المزيد من الحروب لتوفير الأموال والأسواق والموارد وتصريف المنتوجات الفائضة، وأما أن يوقف سياسة بوش عند حدها وهذا ما يتطلب منه البحث عن بدائل اقتصادية ومالية تلبي رغبته في كسر احتكار القوة الثلاثية وإعادة ترتيب الهيكل العام للقطاعات المنتجة. وبين الاستمرار والتوقف هناك خطوة وسطية تجمع بين الاحتمالين ما يعني خضوعه لسياسة القوة الثلاثية مقابل تنازلات نسبية تقدمها للقطاعات المدنية (صناعة السيارات وغيرها مثلا) حتى تضمن الاستقرار الضريبي المطلوب لتأمين موارد الخزينة المالية والحد من نمو العجز في ميزان المدفوعات.

سؤال من سيختار أوباما لتقرير سياسته الاقتصادية وتصريف وعوده للناخب ودافع الضرائب يحتاج إلى وقفة زمنية للتعرف على ذاك الطاقم المكلف منه بإدارة اللعبة؟. فاللعبة خطيرة وتحتمل الانزلاق نحو العنف السياسي في حال قرر أوباما كسر احتكار القوة الثلاثية وخفض موازنة الدفاع وتقليص الإنفاق على الحروب وسحب القوات من العراق وأفغانستان وإقفال عشرات القواعد العسكرية المنتشرة في العالم و«الشرق الأوسط». فكل هذه الاحتمالات سياسية في إطارها الشكلي ولكنها اقتصادية في جوهر علاقاتها الداخلية. الحرب اقتصاد في النهاية والإقلاع عن سياسة الحروب يتطلب خوض معركة مصالح كبرى ضد الكتلة المهيمنة على الهيكل العام للقطاعات المنتجة والمسيطرة. فهل يفعلها أوباما ويعيد ترتيب أولويات القطاعات الاقتصادية حتى يعطي إدارته فرصة تاريخية للترميم والإصلاح ووقف الانهيار العام، أم أنه يضطر إلى تسوية الأمور واللجوء إلى حل وسط يرضي القوة الثلاثية ولا يغضب الكتل المدنية الأخرى التي راهنت عليه ودعمته انتخابيا في معركته الرئاسية؟ هناك صعوبات تواجه إدارة أوباما وهي فعلا تحتاج إلى سياسة خلاقة للتعامل مع متغيرات تحولت في عهد بوش إلى أمر واقع لا يمكن تجاهله أو تجاوزه من دون كلفة وربما تنازلات غالية الثمن.فالانسحاب من الخارج يعني الانكفاء إلى الداخل وخوض معركة مصالح في البيت الأميركي الملون في أطيافه وأعراقه ومخاوفه وطموحاته. وعدم الانسحاب يعني انفلاش الأزمة المالية داخليا وتورط الدولة في مغامرات إضافية وانزلاق المؤسسات المدنية إلى مزيد من الانهيارات.

خيارات أوباما صعبة وهذا يتطلب وقفة زمنية للتعرف على توجهات إدارته، وهي في كل الحالات ستكون مقلقة في مخاطرها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً