العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ

من صفحة أسبوعية إلى محطات فضائية

صورة الإعلام في الكويت اختلفت تماما عما كانت عليه من قبل، أي في مطلع الثمانينيات، في تلك الفترة بدأت الجماعات والحركات الإسلامية تطل على الرأي العام من نافذة صفحة دينية تصدر كل يوم جمعة وبالمناسبات، اتخذت طابع نشر الدعوة الإسلامية وغلبت عليها الخطابة وقضايا تتصل بالعبادات ومسائل التحليل والتحريم... وصار التقليد السائد في الصحف اليومية أن تخصص كل صحيفة صفحة أسبوعية تتعاطى بالشأن الإسلامي، لكنها لم تدم على هذا الحال حيث أخذت طابع السؤال عن هوية الصفحة ومعدها، أي هل هي محسوبة على الإخوان أم على السلف وعليه تحدد الردود والمناكفات الدائرة حول الانتماء الديني السياسي لها...

مع نهاية التسعينيات انتقل الثقل الأساسي للحركات الإسلامية الأصولية إلى صفحات الرأي والمقالات وباتت تزخر بالكتاب ذوي الانتماءات الحزبية، فهذا من تيار السلف وذلك من الإخوان، وذلك من المحسوبين على جماعة معينة من الشيعة، والذين يعيشون أيضا حالة من الفرز الديني تتحدد هويتهم بحسب الجهة التي ينتمون إليها...

دخل نفوذ هذه الجماعات إلى قاع المؤسسات الإعلامية الخاصة على الأقل في هذه المرحلة وكان من السهل على المتابع أن يحدد عدد واتجاهات «الكتاب الإسلاميين» في كل صحيفة والتي وجدت نفسها في وضع من الصعب أن تتجاهله بل هناك من فتح مؤسسته وسخرها لهذا الطرف أو ذلك في صورة الصراعات والتجاذبات السياسية والحديث هنا عمن يتحالف مع الحركات الأصولية أو من يداريهم وينظر للمسألة من زاوية قاعدة القراء والعمل على استقطابهم وفي هذه المرحلة كانت المنافسة بين الصحف على من يستحوذ على شريحة أكبر من القراء أصحاب الاتجاهات الإسلامية ويعمل على استكتاب أحد رموزهم ومفكريهم.

يروي أحد الصحافيين المعايشين لتلك الفترة وكان يعد صفحة عن التراث اتجه نحو الانفتاح على الثقافات والديانات والمجموعات غير الإسلامية فوجئ يوما أن صفحته قد اختفت، علم فيما بعد عن السبب من قارئة تحدثت أمامه عن علاقتها برئيس تحرير الصحيفة والذي قال لها عندما سألته عن سبب غياب الصفحة أجاب «أوقفناه لأنه علماني»!

جاءت مرحلة ما بعد التحرير وهي المرحلة التي شهدت مد وانتشار «الصحوة» أي الحركات الأصولية ساعدتها متغيرات على المسرح الإقليمي والدولي توسعت فيها القواعد الإسلامية من خلال زيادة عدد النواب في مجلس الأمة وقيام العديد من المؤسسات الاقتصادية الإسلامية وإن كانت بدايات الانطلاقة في الثمانينيات واستطاعت هذه الجماعات أن تستحوذ على جمهور عريض أصبح يحسب له الحساب في المعادلات السياسية والإعلامية والاقتصادية وكان من الطبيعي أن تتوجه الأنظار نحو مفصلين حيويين ذوَي شأن وجدوى وهما قطاع الإعلام وقطاع التربية وإن كان توافر المال كقوة إضافية ساهم بدفع الحركات إلى الواجهة الرئيسية كقوة لها نصيب من البيزنيس والإعلام والسياسة.

وعلى نمط الجماعات السياسية ذات الفكر الأيديولوجي المتشدد كان الإعلام الساحة المفضلة كوسيلة للهيمنة والانطلاق وإيصال «المنتج الإسلامي» إلى المجتمع... ارتفع نفوذ هذه الحركات سواء بعدد الكتاب والمحسوبين عليهم أو بعدد المنابر الإعلامية التي تنطق بأسمائهم.

وكان واضحا أن الحرفنة تقتضي إلباس الدين الثوب السياسي الذي يناسب المهمة والدور، ولم يكن ذلك عيبا أو مخفيا أو يتسترون عليه، فهؤلاء يؤمنون بأن لديهم فكرا من دون أن يقارعوا به الآخرين وهو فكر نابع من البيئة والتاريخ العربي والإسلامي.

مع دخول الألفية الجديدة وفي مناخ سياسي يسمح بممارسة الديمقراطية والتعبير عن الرأي عبر الانتخابات التمثيلية في مجلس الأمة وفي جمعيات النفع العام والاتحادات والنقابات حققت الحركات الأصولية مستويات عليا من التمثيل على مستوى الحياة السياسية والإعلامية في الدولة وكان من الطبيعي أن تظهر هذه القوة في وسائل الإعلام والميديا المختلفة الأشكال في عالم ثورة الاتصالات وبحسب دراسة يعدها أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الزميل فلاح المديرس عن العنف الديني يشير إلى أن هناك أكثر من 18 مجلة حزبية وغير حزبية تعود للحركات الأصولية الإسلامية، إضافة بالطبع إلى ان المنابر الإعلامية المحسوبة على تلك التيارات تتمثل الآن بملكية صحف يومية تزيد على أربع أو خمس صحف تنطق باسمهم أو تعبّر عنهم، ومحطات فضائية خاصة تعمل في الدائرة نفسها والأمر لم يتوقف عند حدود الصحافة والمطبوعات الدورية الأسبوعية بل المسألة اليوم انتقلت إلى الإعلام الرسمي من إذاعة وتلفزيون وبرامج خاصة لهذا الغرض.

واقع الإعلام في الكويت اليوم أنه يتحدث عن «إعلام ديني» إن صح التعبير وهو إعلام يعكس حجم ونفوذ الحركات الأصولية بكل أطيافها المذهبية والحزبية والموضوع أصبح من الحقائق الثابتة والمسلَّم بها، فلم يعد تجاهل أو تهميش هذه الحركات يقدم عليها أحد ممن يملكون وسيلة إعلامية بل الصراع على الحد الذي يمكن أن يتم الاستحواذ عليه، وربما كانت مداخلة رئيس تحرير «القبس» الزميل وليد النصف تعبيرا عن تلك الحالة عندما التقى رؤساء تحرير مع وزير الإعلام الشيخ صباح الخالد الصباح وراح يستعرض واقع العمل الإعلامي في الكويت وعن الانفتاح والفن والغناء والمسرح علق رئيس التحرير بالقول «ما يتحدث عنه الوزير يناقض ما نشاهده في تلفزيون الكويت الرسمي حيث بصمات ووجود القوى الإسلامية تهيمن على تلفزيون الدولة ويتم عرض أسوأ أنواع البرامج الدينية».

لم يعد الإعلام وتوجيهه بعيدا عن نفوذ الإسلاميين وبما يخدم المشروع الديني بغطاء سياسي وصار من الصعب أن يخرج مشروع إعلامي جديد دون أن يكون «للمتأسلمين» أي الجماعات الدينية التي تتعاطى العمل السياسي - نصيب أو حصة.

هكذا تطورت المنابر الإعلامية، من صفحة يومية بالثمانينيات إلى كتاب ومفكرين ذوي تأثير ووزن في التسعينيات إلى صحف يومية ومجلات أسبوعية ومحطات فضائية وبرامج تلفزيونية في الألفية الجديدة لتكتمل بذلك عدة التوجيه والتأثير والاستحواذ على العقول وهو هدف يغري من يعمل على استقطاب الناس وإيجاد وسيلة لنقل المنتج الذي يؤمن به ويسعى للترويج له.

العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً