العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ

عذرا أيتها «السلطة التسريعية»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

سأعترف بأنني ومنذ أن كتبت بأزرار لوحة «الكيبورد» اصطلاح «السلطة التسريعية» في عنوان المقال حتى ما ألح علي المصحح اللغوي والنحوي الإلكتروني بعد أن وضع تحتها وليس فوقها خطا أحمر وذلك مقترحا بأن استبدلها بـ «التشريعية» بدلا من «التسريعية»، وليس من سبب وجيه يحدده لي الذكاء الاصطناعي المبرمج الذي يحتويه صديقي «المصحح اللغوي» سوى أن «تسريعية» غير جائزة لغويا بأي شكل من الأشكال والأولى أن تكون «تشريعية»، ومع ذلك فأنا سأعذره وسأحترم مستوى ذكائه الاصطناعي المؤطر الذي قد لا يفقه ويصل إلى الوقائع والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفريدة من نوعها، والحدود الفقهية العملية الجامعة ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد، وأعني البحرين!

ما حدا بي أن أستبدل في مقالي اليوم مفهوم وواقع السلطة التشريعية بمصطلح جديد هو «السلطة التسريعية» لم يأتِ من فراغ أو تندر أكثر من ما هو قراءة صحيحة لواقع العمل البرلماني المتخبط الذي يفتقر أساسا لأدنى صور ومضامين التكامل بين الأداء التشريعي والأداء الرقابي، بل إنه غالبا ما يتم تبادل الأدوار الهزلية بين هذين الأدائين المثبطين، ليلهي أحدهما الآخر عن أداء الوظائف المنوطة به بل ويهمشه إلى أبعد الحدود بدلا من أن يعاضده ويسنده، وغالبا ما يطغى «الرقابي» على «التشريعي» وذلك في قضايا إثارة جانبية ودخيلة في الوقت الضائع وليست بقضايا صلب رئيسية، فيصح القول بأن البرلمان قد أضحت تتنازعه سلطتان لا ثالث لهما، والسلطة الأولى هي «سلطة تسريعية» والأخرى هي «سلطة إلهائية» وللأسف كثيرا ما تتبادل السلطتان منصات الإثارة ومقاعد الانتظار كما هما تتبادلان الضحكات والقفشات عند نهاية كل جلسة!

أما بخصوص إطلاقي مسمى «السلطة التسريعية» على واقع «السلطة التشريعية» فذلك لا يعود إلا لكون هذه السلطة الفريدة من نوعها يبدو أنها وحتى هذه اللحظة لا تقوم إلا بتسريع إصدار التشريعات الحكومية والسلطوية التنفيذية وليس لها من التشريع نصيب، وجُل ما يقوم به النواب المهدرين للمال العام بامتيازاتهم وحصانتهم وإلهائهم القياسي لا يتعدى في غالبه الأعم العمل السكرتاري بآلياته المعهودة، وإن كان لكل سكرتير أو سكرتيرة سكرتير أو سكرتيرة إضافية فنحصل في النهاية على أكبر تجمع وتكتل سكرتاري عالمي باسم «العمل التشريعي»، وأتمنى لو قام في النهاية أي باحث متألق لا متملق بعمل سلسلة من الدراسات المسحية والاستبيانية لأعضاء البرلمان الحالي في ما يتعلق بسلطاتهم وصلاحياتهم الدستورية وأدوارهم حتى يحصل على النتيجة الصادمة والفضيحة العارمة!

فما الذي نجح فيه أفراد «السلطة التشريعية» التي صارت «سلطة تسريعية» سوى في ما أسلفنا ذكره؟!

من دخل البرلمان بنية الكتابة الصحافية وبنية التصريح والوعيد والمناجاة والدعاء والمطالبة الكلامية فهو قد فشل في أن يصبح صحافيا ومطالبا وداعيا ومناجيا إن لم يصبح غير مرغوب به بالمرة من زملاء المهنة، ومن دخل البرلمان بنية أن يجسد نموذجا مستوردا لـ «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» فقد فشل هو الآخر فشلا ذريعا في دوره ووظيفته فأوكار الدعارة والخمور والمخدرات والفساد مازالت مستشرية بقوة به أو بدونه بأمر من بعض أرباب النعمة والطاعة والنفوذ الذين تستوجب «شرعا» طاعتهم العمياء كما علّمنا هؤلاء النفر الفاشل من النواب!

ومن دخل المجلس بنية أن يكون ممثلا أو مهرجا فهو الآخر قد أخفق وفشل في مهمته بعد أن افتضح أمره منذ سنين وانكشفت اللعبة وقوانينها، وما عاد الشعب باستطاعته أن يتحمل أي مهرج أو ممثل يتسلق بفنه المتدني على ظهره وعلى قضاياه الوطنية الكبرى والمهمشة، وقبل كل سلسلة الإخفاقات والفشل فشل في تحقيق وعودهم الانتخابية ويعلم الرجل الحقيقي جيدا ما قيمة الإخفاق والنكث والفشل بالوعد!

فما الذي بقي لهؤلاء النواب أن يفعلوه في مواجهة القضايا القضايا الوطنية الكبرى ذاتها منذ عقود كالإسكان والأراضي والتعليم وسوء توزيع الثروة وغيرها غير هذا «العبث البرلماني» ومازال غسيل الأراضي وتشييع جنائز السواحل والبحار وإجهاض الخيرات والموارد البيئية دائرا ومتواصلا؟!

هل سيجمع بعضهم ما تحصل عليه من تحت الطاولة جراء سكوته وتهريجه وإلهائه من هبات وأراضٍ مليونية ويجعل منها مخططا تقام عليه وحدات سكنية للمواطنين كتعويض عن فشله البرلماني ذاك؟!

أم سيتبرع بسياراته الفاخرة وأرصدته البنكية الدسمة وبامتيازاته للمواطنين المحتاجين كـ «دفعة بلاء» خيرا من أن تكون عليه في النهاية كما يقول أشقاؤنا الكويتيون والحساويون «دفعة مردي والهوى شرقي»؟!

المضحك والمبكي في الأمر أنه قد أريد للنواب وهم أرادوا أن ينشغلوا في جدل مستهلك وعقيم لا أول له ولا آخر حول الاستقواء بالخارج في الوقت الذي برزت منذ أجل وتبرز أمامهم العواقب الوبيلة لقضية «التجنيس السياسي» و «ازدواجية الجنسية» أو «لوثة التجنيس» التي تعد سيرة وملحمة قياسية لأكبر حملة استقواء بالخارج مورست على وضد المجتمع البحريني وضد إرادته السياسية وضد الهوية الوطنية وضد الموارد والمقدرات العامة، أو ربما هي الأغرب في دول وتاريخ المنطقة، والآن هم ينتقلون بسرعة إلى ملفات أخرى للتشهير والإساءة الشخصية التي لا نستبعد أن تكون مدعومة من بعض المتنفذين ضد أحد الوزراء!

وقد يسألنا نائب:

أين هو الحل؟!

فإننا نجيب بأن الحل لن يكون إلا بأن يناضل ويجاهد النواب المخلصون والأكفاء الذين تتعلق قلوبهم بمصلحة الوطن والمواطنين على المطالبة بزيادة سقف سلطاتهم وصلاحياتهم الدستورية واللوائحية عبر «التعديلات الدستورية» التي طمح ويطمح البعض منهم في تقييدها ليس إلا لكونهم في غالبيتهم من نواب الحكومة والمتنفذين، كما لابد من أن يساند هذا الضغط النيابي ضغط جماهيري منظم ومنسق من قبل الجمعيات السياسية والتحركات النخبوية الوطنية والمستقلة، والكلام هنا لـ «وعد» وللأخ العزيز إبراهيم شريف، وذلك بدلا من حالة القطيعة المصمتة حاليا ما بين «المجتمع المدني» ونواب البرلمان الذين وقعوا في مغارم ومغانم الكراسي، فليس هذا هو البرلمان الذي ناضل له الجمري والنعيمي والذوادي ومن قبلهم الباكر والزياني وبن لاحج وغيرهم الكثير والكثير!

ومن دون ذلك المسعى والخلاص النضالي فليتجشم النواب مزيدا من الذل والهوان طالما هم أرادوه لأنفسهم في علاقتهم مع الحكومة والأذرع المتنفذة في الدولة، فإن كان العرف والقاعدة يقتضي ويشير في الديمقراطيات إلى أن رئيس الوزراء والحكومة يذهبون إلى البرلمان الممثل للشعب، ولكن هل هذا العرف يناسبنا هنا في البحرين؟!

وهل من المجدي والمعقول أن تتكلف الحكومة وغيرها من منظومات متنفذة ومتشاركة في مشهدنا المحلي بعناء الحضور إلى برلمان غالبيته في النهاية من «أولادها» و «حبايبها» المحسوبين عليها والذين أوصلتهم إلى سكة الأمان بعد أن «طزت» عيونهم وربما ستجدع أنوفهم في الانتخابات المقبلة إن لم يتأدبوا ويشكروا النعمة؟!

أيهم يذهب إلى الآخر بحسب تقاليدنا الأصيلة الكبير أم الصغير؟! لماذا لا نكون عقلاء ومنطقيين وبحرينيين في طرحنا إذا؟!

وبما أننا في وارد الذل والاستخفاف بالذات وحتى بالآخر الذي هو من شيم البرلمان الحالي، فلعله من صميم الاستخفاف الصبياني بالعمل البرلماني وبالشعب البحريني هو أن يغامر النائب جاسم السعيدي ويتكلف مشقة السفر إلى الكويت حتى يتسنى له تصوير زميله النائب جاسم حسين نائما في إحدى المؤتمرات، فلربما هذا هو «النظر في الصميم» لدى السعيدي المذهل كما رفع من شعار له في لوحاته الدعائية الانتخابية، ولا أدري إن كان هنالك الآن نائب متخفٍّ تحت الطاولة أو في مكان آخر يصورني وأنا أتثاءب بعد كتابة هذا المقال الطويل!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً