العدد 1827 - الخميس 06 سبتمبر 2007م الموافق 23 شعبان 1428هـ

حكاية الشمعة السادسة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مع إشراقة فجر هذا اليوم، تشعل «الوسط» شمعة جديدة. وما بين الشمعة الأولى والسادسة، كم من «الدروس» مرّت تحت الجسور.

كان اللقاء الأول في مبنى بالمنطقة الدبلوماسية، بين غريب قادم من المهجر، يحمل آمالا عريضة بالإصلاح، وغريب قادم من عتمة الوطن، يحمل على ظهره هموما وأوجاعا لم يسمع عنها أو يبوح بها أحد. وبعد أشهر من المعرفة والألفة، كان أحدهما يقول لصديقه الجديد: اكتب عن السجن، وسأكتب عن المنفى.

وعندما حلّ شهر أغسطس/ آب 2002، كان موعد الصدور يقترب أكثر وأكثر. كان الفريق العامل من فنيين وإداريين وصحافيين قد اكتمل أو كاد. وجوهٌ جديدةٌ تتعرّف عليها لأول مرة، من مختلف المناطق والجهات. وكان عليك أن تكتسب خبرات وتصقل قدرتك، وتتعلّم... أنت تلميذٌ دائم، فكل مرحلةٍ من حياتك مدرسةٌ ينبغي ألاّ تخرج منها خالي الوفاض.

كانت الأعصاب مشدودة بانتظار يوم الصدور، كيف ستكون هذه المولودة الجديدة بعد انتظار سنوات وسنوات؟ ربما تنمحي من الذاكرة الكثير من الصور، ولكن لا يمكنك أن تنسى صورة الممر المظلم وأنت تطأ في الرمل والاسمنت، أو تصعد السلم غير المكتمل البناء، فيما يملأ أذنيك ضجيج آلات الحفر وعمال البناء.

وإن نسيتَ الظلام والضجيج، فلن تنسى الدوام الطويل الطويل... إذ يبدأ يومك من الثامنة صباحا حتى العاشرة ليلا، أسابيع انقطعت فيها عن أهلك وعائلتك ومجتمعك. وفي طريق العودة إلى منزلك، تقود السيارة بيدٍ مرتجفةٍ من التعب والإنهاك.

عندما تسترجع شريط الذكريات اليوم، كثير من الوجوه التي كانت تزدحم بها قاعة التحرير الرئيسية اختفت. بعضهم غادر بعد أيام، وبعضهم بعد أشهر أو سنوات. كثيرون غادروا إلى مواقع أخرى وفرص عمل أفضل لهم، وتركوا في القلوب ذكريات تفوح بالعطر والياسمين. كثيرون فارقونا بإحسان، وبعضٌ تم استدراجه للخروج لدوافع المنافسة أو لدواعٍ أخرى. وقلةٌ اختارت المغادرة بجلبةٍ وضوضاء. على أن ما بقي خنجرا في الصدر، أن تكتشف بعد سنوات أن البعض كان يعمل جاسوسا يكتب عن زملائه التقارير إلى جهات مجهولة، ويسرّب الأخبار إلى آخرين مقابل «عمولة». هذا الاكتشاف الذي جاء متأخرا جدا، كان صدمة عنيفة تركت ندوبها في الأعماق... ولكنه يبقى درسا ثمينا في مدرسة الحياة.

مقابل هذا النموذج العاق، كانت هناك نماذج توضع على الجرح فيطيب. كان هناك من يمدّ لك يده لتتعلم، ويمنحك الفرصة لتنجز وتتقدم. جئتَ من رئاسة تحرير مجلةٍ شهريةٍ تهتم بالأم والطفل، 96 في المئة من قرائك من النساء، ربات بيوت ومدرسات وموظفات وعاملات، تجمعهن المهمة المقدسة (تربية الأطفال)، بعيدا عن السياسة التي دفعت شبابك قربانا لها، لتمسك قسم الترجمة في العمل الجديد. وبعد شهر واحد تطلّق الترجمة لتعود من جديد إلى زوجتك القديمة (السياسة)، كما عاد الفرزدق إلى زوجته نوار. وتكون العودة بعد كتابة مقالٍ عن بوش وتابعه بلير وهما يعدّان العدّة حينها لغزو العراق، استيحاء من الرواية الخالدة «دون كيخوت»، للاسباني الساخر العظيم دي سيرفانتس، وهي آخر ما قرأ من كتب من مكتبة سجن القلعة الغربي، بالعاصمة (المنامة) في آخر الأيام العصيبة.

حين وضع المقال الصغير على طاولة مدير التحرير، وقف ليراقب رد فعل المدرّس المتواضع الكبير، فما أن أتم قراءته حتى حمله بنفسه إلى قسم الصف وهو يقول: «بكرة لازم ينزل هذا المقال».

وهذه حكاية الشمعة التي فتحت الباب ليعود غريب الداخل إلى عالم السياسة بعد ست سنوات من الاعتكاف.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1827 - الخميس 06 سبتمبر 2007م الموافق 23 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً