العدد 1827 - الخميس 06 سبتمبر 2007م الموافق 23 شعبان 1428هـ

النفايات الإلكترونية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما نتناول موضوع البيئة والحفاظ عليها ومحاربة ملوثاتها، غالبا ما تنصرف أنظارنا نحو الأشكال التقليدية من الملوثات مثل تلك التي تبعثها عوادم السيارات، أو تلك التي تنفثها المصانع، وأحيانا نشمل أيضا الملوثات المضادة للبيئة التي يفرزها البشر من جراء ممارساتهم المنافية لشروط الطبيعة والمتضادة مع تطورها الطبيعي. اليوم نواجه شكلا جديدا من أشكال التلوث البيئي هو التلوث الإلكتروني. يُطلِق الأنغلوساكسون اسم «e-waste» على النفايات الإلكترونية، أما الفرانكوفونيون فينعتونها بالأحرف الأولى «DEEE» لعبارة «نفايات التجهيزات الكهربائية والإلكترونية»، إنها النفايات الإلكترونية: كل عام.

فئة قليلة منا، ومحاولات نادرة ماتزال في مراحلها الجنينية تلك التي تتحدث عن الملوثات الإلكترونية للبيئة. فالكثيرون منا يتوهمون أن الإلكترونيات أو الأجهزة الإلكترونية في غاية النظافة، ومن ثم فهي، بخلاف سواها من المواد المصنعة، لاتنتج ما من شأنه تلويث البيئة المحيطة بها، بغض النظر عن ضيق تلك البيئة أو رحابتها.

لكن الأرقام تقول خلاف ذلك. إذ ينتج العالم زهاء 40 مليون طن من النفايات الإلكترونية كل عام. يرمي العالم بكوكتيل يزن 40 مليون طن من البلاستيك والرصاص والبروم والسلنيوم والكاديوم والزرنيخ وما تبقى على جدول مندليف الدوري (العرض الجدولي للعناصر الكيميائية المعروفة الذي اشتهر به هذا الكيميائي الروسي) 40 مليون طن من النفايات الإلكترونية التي تظل معظمها خارج السيطرة. هذا يعني أنه لو حملنا شاحنات القمامة بهذه النفايات، يمكن أن نحصل اليوم على خط متواصل يبلغ طوله نصف مسافة دورة الأرض.

وحسب إحصاءات الوكالة الأوروبية، ترتفع الكمية السنوية للنفايات الإلكترونية بسرعة تفوق بثلاث مرات باقي أنواع النفايات المنزلية. ولا يبدو أن هذا الارتفاع سيتوقف قريبا إذا ما نظرنا إلى صعود دول الجنوب التي مازالت تفتقر إلى الأجهزة الإلكترونية.

حسب دراسة أنجزتها جامعة الأمم المتحدة، يتطلب صنع حاسوب مكتب عادي وشاشته 240 كيلوغراما من الطاقة الأحفورية و22 كلغ من المنتجات الكيماوية و1500 لتر من الماء. أي 1,8 طن من المواد الخام، وهو ما يعادل وزن سيارة من نوع الدفع الرباعي أو حيوان وحيد القرن. ذلك أنه قبل مرحلة التحول إلى نفايات والتسبب في تلوث كبير، تتطلب الآلات الإلكترونية عند مرحلة التصنيع كميات هائلة من المواد الخام.

يضاف إلى كل ذلك التلوث النووي غير المباشر، الناشئ من الإستعانة بالأجهزة والمعدات الإلكترونية، والذي يتم تصديره عبر العديد من القنوات الظاهرة للعين والمخفية عنها. إذ إن معظم هذه النفايات إما تُترك في الطبيعة، أو تُحرق أو يُعاد تدويرها بطرق لا تحترم البيئة ولا صحة من يعاجلونها. لكن وفقا لإحصاءات وتقارير الأمم المتحدة، فإن 90 في المئة من النفايات النووية تنهي رحلتها في الصين. وكما ذكرنا سابقا فإن رصد أشكال التوث الإلكتروني أمر في غاية الصعوبة نظرا إلى غياب الوعي به أولا، وجنينية أدوات الرصد والإحصاء ثانيا. لكن لو أخذنا دولة مثل سويسرا، وهي تعد دولة متقدمة نسبيا في هذا المضمار، فسنجد أن سويسرا لوحدها تنتج 110 آلاف طن من النفايات الكهربائية أو الألكترونية كل عام. في المقابل تصل كمية هذه النفايات في بلدان الإتحاد الأوروبي الخمسة عشر إلى 60 ضعفا مقارنة بحجمها في سويسرا. ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الكمية خلال السنوات العشر المقبلة.

لكن ما يميز سويسرا عن سواها، أنها تمكننت من استباق المشكلة. فمنذ العام 1991، وقبل أن يتدخّل المُشرع في هذا الشأن، أنشأت الشركات الصناعية وشركات التوزيع أنظمة لإعادة تدوير المنتجات الإلكترونية، بدء بالثلاجات، وصولا إلى الآلات الأخرى. ونظرا لخطورة هذا التطور سارعت سويسرا بعقد الندوات وتنظيم ورش العمل المتخصصة لمعالجة هذه القضية. ومنذ مطلع هذا القرن سارعت سويسرا إلى سن القوانين ووضع الأنظمة التي تبيح تحصيل الرسوم المسبّقة لتنحية النفايات الإلكترونية، وأصبحت هذه الإتفاقات والقوانين سارية المفعول على جميع المنتجين والموزعين والباعة للأجهزة المكتبية والمعلوماتية والترفيهية الإلكترونية في سويسرا. وعلى رغم هذه الخطوات المتقدمة مقارنة مع شعوب العالم الأخرى، إلا أن الاتحاد الفيدرالي الروماندي لروابط حماية المستهلكين يطالب بالمزيد من الشفافية في هذا الميدان، طمعا في الاستغلال الحسن لتلك الرسوم البيئية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1827 - الخميس 06 سبتمبر 2007م الموافق 23 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً