اتفق المسلمون على أهمية المعرفة في ترسيم حدود الوعي واختلفوا على تعريفها وتحديد أنواعها وأشكالها. فهناك من قال: «هي رأي غير زائل» والرأي «هو الظن مع ثبات القضية». وهناك من قال إن المعرفة «هي إدراك صور الموجودات» وهي بالمحسوسات «تحصل بالرسوم». وهناك من حدد معالمها في سياق ما يدركه الإنسان «بالبصر والسمع أو بالذوق أو بالشم أو باللمس».
وهناك من ربط المعرفة بالعلم واعتبر «المعرفة والعلم صفتان إضافيتان لنفوسنا إلى الاشياء التي نعرفها ونعلمها». وهناك من وصف المعرفة بـ «ما وضع ليدل على شيء بعينه».
انطلاقا من هذه التعريفات المجردة لمفهوم المعرفة تنوعت التوظيفات واتجهت نحو تصنيف الفكرة وتحديدها في أدوار مختلفة. فهناك «معرفة الأشياء» وهناك «معرفة الأعراض» وهناك «معرفة الإنسان». فالإنسان في رأي هذا الفريق مهما «قصد معرفة شيء من الأشياء، اشتاق إلى الوقوف على حال من أحوال ذلك الشيء».
توق الإنسان إلى المعرفة يعتبر عند علماء المسلمين الدافع الوجودي للبحث عن الحقيقة. وهذا يتطلب منه الجهد الذهني أو الحسي للوصول إلى معرفة الشيء. ولهذا نظم المسلمون درجات للتوصل إلى المعرفة. فهناك «المعرفة الأولى» وهي محاولة التفريق بين «ما يكذب فيه الحس وما يصدق» أي هناك «ما نراه من الأشياء على بُعد هو بالحقيقة مثل ما نراه من قريب». والمعرفة الأولى تفتح الطريق إلى «معرفة بالشيء» وهي لا تكون «إلا من قِبَل علله».
معرفة العلل تشكل بداية حسية للاكتشاف والذهاب في البحث إلى ما اتفق على تسميته «معرفة تامة» وهي «العلم اليقيني» ولا تحصل المعرفة التامة إلا بعد توصل الإنسان إلى العلم «بجميع أسبابه الأُوَل». وهكذا تطور علم المعرفة عند المسلمين واتجه نحو توصيفات ومهمات ووظائفَ متنوعة. فهناك «معرفة ذاتية» أو «معرفة الشيء الحقيقية» التي تعتمد على العلة والبرهان. وهناك «معرفة ضرورية» وهي تهتم بعلم «وجود الأشياء الموجودة فعلا». وهناك معرفة «في الكلية» التي تتدخل في «جميع الأشياء». وهناك معرفة «النفس الإنسانية» وهي تعتمد على نهجين: معرفة أولية، ومعرفة استدلالية (الأحوال والأفعال الموجودة في الإنسان).
استمر تطور علم المعرفة عند المسلمين وصولا إلى المعرفة الأعلى في سلم التراتب. ولكن العلماء اتفقوا على أن المعرفة الأسمى هي «معرفة الله» ولكنها تحصل «بعد المعرفة بجميع الموجودات». حتى يصل الإنسان إلى المعرفة الكلية أو المثالية أو المجتمعية فلا بد له من «معرفة حقائق الأشياء» وهذه تتطلب سلسلة من المباحث تقوم على منهجية تعتمد على تسعة أنواع صنفها العلماء في تسعة أسئلة معرفية وهي: هل هو؟ ما هو؟ لِمَ هو؟ كم هو؟ أي شي هو؟ كيف هو؟ أين هو؟ متى هو؟ مَنْ هو؟
كل من يريد أن يعرف حقائق الأشياء يحتاج إلى معرفة هذه المباحث أو الأسئلة التسعة والإجابة عنها واحدا بعد آخر. فالإجابات تساعد على ترتيب الموجودات واكتشاف نظام الكائنات والتعامل معها بوعي كامل.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1827 - الخميس 06 سبتمبر 2007م الموافق 23 شعبان 1428هـ