كثير من الناس لديهم قابلية داخلية لتصديق مجمل الأمور التي تدور في محاور رغباتهم، وإن لم يقدموا في سبيل ذلك مجهودا يستحقون على إثره الثواب المرتقب، وهؤلاء يمكن أن نصفهم بالمتفائلين بالواقع والطامحين إلى المستقبل، في حين يجنح آخرون إلى التقوقع في الزوايا المهجورة وانتظار ما تجود به أصداء العطاءات والفتاتات التافهة التي قد يخلفها بعض المعدمين، وهؤلاء ربما يصدق عليهم وصف الغارقين في مستنقع الخنوع والزاحفين تجاه وحل الانكسار.
وبين النوع الأول والثاني تتفاوت الدرجات بحسب قناعات الأفراد وثقافاتهم واتجاهاتهم وميولهم والمكونات المتوارثة في البيئة المحيطة بهم، التي تبرز الكثير من الشخصيات ومنها شخصية “المنحوس” الذي يحلو للبعض أن يطلق عليه “ما ليه حل” وهو الشخص الذي يحاول أن يكون مع القطب الأول الذي تحدثنا عنه بداية، إلا أن القطب الثاني دائما ما يتمكن من استقطابه إليه وإيقاعه في شراكه.
حدثني أحد الأصدقاء أن أحد العاملين في سلك التدريس تورمت قدماه من كثرة مراجعة وزارة التربية والتعليم طالبا نقله من مدرسته بسبب مضايقة أحد مسئوليه له - كما قال صاحب الرواية - مرت سنوات والرجل يطالب بالانتقال من مدرسته إلى أن وفقه الله وتمت الموافقة على نقله من مدرسته إلى المدرسة التي يريدها، ولكن، وكما يقول الاخوة المصريون «الحلو ما يكملش»، إذ تفاجأ المسكين بالمسئول ذاته الذي هرب منه، عين مسئولا عليه في مدرسته الجديدة بعد موجة ترقيات وتنقلات تدويرية شهدتها مدارس المملكة في يوم ما.
ومن الحكايات التي تورد في هذا المقام أن قردين (محظوظ ومنحوس) اتفقا يوما على سرقة موز أحد البساتين، فتسلق المحظوظ شجرة وأخذ يلقي بالموز للقرد منحوس، الذي كان ينتظره أسفل الشجرة، حتى قبض عليه صاحب البستان وأوسعه ضربا، في حين فر القرد محظوظ.
مرت أيام كفيلة بأن تشعل نزق المغامرة في رؤوس محظوظ ومنحوس فعادا إلى البستان ذاته ولكن مع تغيير الأدوار، إذ تسلق منحوس الشجرة وبقي محظوظ في الأسفل يجمع الموز، حتى جاء صاحب البستان بمعية ثلة من رجاله الذين هموا بالإمساك بمحظوظ حتى تدخل صاحب البستان، وقال: أما هذا فاتركوه فقد نال جزاءه سابقا، أريد ذلك الذي يتدلى فوق الشجرة.
إذن لا أحد يمتلك تغيير النتائج المحتمة والمحتملة بنسبة كبيرة للمعطيات المتوافرة بشكل فعلي - وإن تغيرت - فإن تلك استثناءات للقاعدة، وليست قاعدة للاستثناءات وهنا يحضرني قول الشاعر:
إنّ حظي كدقيقٍ بين شوكٍ نثروه
ثم قالوا لحفاةٍ يوم ريح اجمعوه
صَعُبَ الأمرُ عليهم
قالَ قومٌ اتركوه
إنّ من أشقاه ربي
كيف أنتم تسعدوه؟
هذه ليست دعوة إلى اليأس والانكفاء، بل على العكس هي دعوة غلى الانطلاق والتغيير والتجديد في نمط حياتنا وفي المؤثرات المحيطة، إذ حان وقت التأثير الإيجابي بدلا من الاكتفاء بالتأثر السلبي، فالرياح التي لا نواجهها ولا نذهب إليها ولا نستعد حتى لعصفها، ستأتي بقوة شئنا أم أبينا. ومن وجهة نظري فإن مواجهة التوجسات أشرف من انتظارها، والقفزة الكبيرة لا تكسر من كبريائها خطوة الارتكاز.
إقرأ أيضا لـ "ميثم العرادي"العدد 1827 - الخميس 06 سبتمبر 2007م الموافق 23 شعبان 1428هـ