العدد 1826 - الأربعاء 05 سبتمبر 2007م الموافق 22 شعبان 1428هـ

بيّض الله وجه الكهربه!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم نصدّق أن تنقضي علينا ليلة أمس الأوّل في مبنى «الوسط»، فقد كانت ليلة من ليالي الجحيم التي تحدّث عنها الشاعر الايطالي دانتي... والفضل لوزارة الكهربه!

قبل أسبوع زارني أحد المهندسين المخلصين ليوضّح أن سياسة «القطع المبرمج» للتيار، ضرورة تلجأ إليها الوزارة لتفادي الانقطاع الكلي للكهرباء عن كل المنطقة، فتضحّي بقطع التيار عن بعض أجزائها، للحفاظ على تدفق التيار للباقين.

سألت المهندس مستوضحا: إذا كان القطع «المبرمج» اضطرارا، فلماذا يتم القطع فقط عن المناطق القديمة من المنامة والمحرق والضواحي والمناطق الفقيرة، ونادرا ما ينال المناطق الجديدة؟ فأجاب: هذه المناطق هي أوّل المناطق التي دخلتها الكهرباء، وهي تدفع اليوم ثمن تلك «الميزة»، فالبنية التحتية متهالكة، ولم يجرِ تجديدها أو استبدال الكابلات القديمة (الآيلة للسقوط)، وعندما تحترق يستبدلها العمّال بوصلات أو إصلاحها مؤقتا.

الحجج التي ساقها كانت مقنعة فنيا، والتفسير مقنعٌ إلى حدٍّ ما، وكنت أنتهز أوّل فرصة تسنح للكتابة عن الكهرباء لإيراد هذا التصحيح للقرّاء، حتى داهمتنا ليلة الجحيم!

في السبعينات، عندما تنقطع الكهرباء، كنا نخرج إلى الشارع نتسامر مع الجيران، ومَنْ كانَ يمتلك هاتفا في منزله يتصل بطوارئ الكهرباء ليقوموا بواجب إغاثة المنكوبين! وإذا طالت غيبة التيار الحبيب مشينا نحن الشباب إلى منتزه عين عذاري القريب، بينما يبقى كبار السن والنساء في البيوت حتى يجيء الفرج! أمّا هذه الأيام، فعندما ينقطع التيار عن منطقتنا السكنية، كما حدث قبل ثلاث ليال (للمرة السادسة هذا الموسم)، فلا تمضي أكثر من عشر دقائق حتى تشهد المنطقة نزوحا جماعيا للمناطق الأخرى، وكان يكفي أنْ تقف في الشارع لترى أفواج السيارات الهاربة من جحيم دانتي، وكان صاحبكم من بين الهاربين!

أمّا ما حدث مساء أمس الأوّل فلم يكن بالحسبان، تصوّر نفسك جالسا لساعات على جهاز الكمبيوتر لتنجز عملك، وكلما كتبت فقرة من المقال انقطع التيار، وهكذا استمرت هذه السياسة الحكيمة حتى منتصف الليل، تطبيقا لسياسة «القطع المبرمج» من الثانية عشرة ظهرا حتى الثانية عشرة ليلا!

في السبعينات، كنتَ تستطيع الهروب إلى منتزه عذاري، وإذا كنتَ في منزلك وانقطع التيار، فبإمكانك أنْ تهرب بأطفالك إلى منزل أحد الأقرباء حتى تنجلي الغمّة عن هذه الأمّة... ولكن كيف تهرب من موقع عملك؟!

كان التيار ينقطع في النهار ساعة ويعود ساعة أخرى،كأنها لعبة موسيقية مبرمجة، ولكن ما أنْ اقتربت الساعة السادسة مساء، حتى لفظت (الكهربه) أنفاسها الأخيرة، وحلّ الظلام، وأغمضت أجهزة الكمبيوتر عيونها ونامت كالجثث الهامدة.

في وسط العتمة، وأنت تشاهد الأشباح تتحرّك من حولك، كان عليك أنْ تنتظر -في الحر والظلام- متى تتكرّم عليك وزارة الكهربه بإعادة التيار.

كل ما قاله صديقنا المهندس لا نشك في صدقه، ولكن هذه التفسيرات «الفنية» لا تدفع حرا ولا تشغّل كمبيوترا، في ليلٍ ثقيلٍ كموج البحر أرخى سدوله كما قال امرؤ القيس، الذي صاح دون أن تنقطع عنه الكهرباء ولا الماء:

ألا أيها الليلُ الطويلُ ألا انجلي

بصبحٍ وما الإصباحُ منك بأمثل!

فماذا كان سيقول لوزارة الكهرباء لو كان يكتب قصيدة أو مقالا... وانقطع عنه التيار حتى منتصف الليل؟ لكن ما نقول إلاّ (بيّض الله وجه الكهربه)!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1826 - الأربعاء 05 سبتمبر 2007م الموافق 22 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً