العدد 1826 - الأربعاء 05 سبتمبر 2007م الموافق 22 شعبان 1428هـ

أنا و«الوسط»

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

بحلول الذكرى الخامسة لصدور صحيفة «الوسط» وذلك في يوم الجمعة الموافق 7 سبتمبر/ أيلول 2007 لربما يحلو للمرء أنْ يتذكر كيف شكل ظهور هذه الصحيفة نقلة نوعية جديدة في العمل الصحافي بما حققته من تسليط للضوء على الكثير والكثير من القضايا الوطنية الساخنة، فكانت ولا تزل ملتجأ موضوعيا وصريحا لأصوات المحرومين والمضطهدين والممنوعين من نطق الحرف السياسي المختلف والممانع قبلها، والتي لطالما ظلت مغيّبة ومكتومة في عهود الكبت والخنق السياسي إبان أمن الدولة والعزلة الداخلية الطويلة.

فبالعودة تاريخيا إلى الخلفيات الظرفية والملابسات المرحلية لتأسيس الجريدة يمكن القول إنّ صدور صحيفة «الوسط» بسقفها العالي الحر، وتميز محتواها الخبري المتنوع، وما ساهمت به بشكل فارق وفي وقت قياسي نسبيا في كشف الكثير من ملفات الفساد وتفعيل النقاش الجريء حول عدد من المحاور والموضوعات الساخنة التي لطالما لفها الصمت والاصطبار شعبيا والتجاهل رسميا جعل منها بجدارة أنْ تكون الحاملة الأولى للواء الصحافة الحرة والموضوعية في عهد المشروع الإصلاحي لمعطيات نوعية ملحوظة في مجال التنافس الصحافي بما ساهمت به من إثراء للحراك السياسي والاجتماعي وليست لمعطيات تاريخية فقط.

ولو شئت الحديث عن تجربتي الشخصية في الكتابة الصحافية مع صحيفة «الوسط» والتي أوشكت على أنْ تبلغ عامها الأول لقلت بمنتهى الإطلاق إنها أكثرهن جمالا وألقا وحميمية، وذلك بالمقارنة مع عدد من التجارب الأخرى التي قضيتها مع صحف زميلة أخرى استفدت منها بشتى جوانب الاستفادة، ولكن تجربتي في «الوسط» لطالما كانت ذات نكهة ومذاق مميز لكون ما توفر لي خلالها من قدر حقيقي من الحرية المسئولة يفوق نسبيا بكثير ويتمايز نوعيا وحجميا عن ما أتيح لي في صحف محلية أخرى، وهذا بنظري هو الأهم قبل كل شيء ومحور الكفاح وضامن التجدد والارتقاء النوعي في العمل الصحافي الحقيقي، وهو ما أتاح لي أن أوصل أفكاري وآرائي المعبّرة عن جوهر وكنه مبادئي التي أؤمن بها واعتنقها ورؤاي السياسية التي أحملها، وذلك دون أن يطالها في أغلب الأوقات أي إلغاء وحجب أو تحريف عن المقاصد وإخراج عن السياق أو حذف وإضافة وغمر يؤدي بها إلى حتفها المعنوي، سواء أكان هذا القص والحذف والتكحيل أتى بمهارة فنية متمرسة تعكسها عراقة قرون الاستشعار السياسية والبلاغية الرمزية التي يتمتع بها رقيب عتيد، أو حتى جاء مقص الرقيب بسفاهة صحافية وسياسية صارمة، فأحدث قطعا وريديا ونزفا حادا في صحة اللفظ والإنشاء والكلام وفي المعنى السياسي للعبارة من دون أن يرممه ويجمّله شكليا وسياقيا على الأقل وذلك لمجرد اختلاف في الرأي ووجهة النظر فقط!

وجميعها أصناف من الرقباء أتمنى أنْ تكون قد غادرت إلى ذاكرتي الكتابية الصحافية إلى غير رجعة ولو أنني مازلت أعترف بما أفادتني به في خبرتي الحياتية، كما أنني أعترف بأنني حظيت خلال تجربتي في «الوسط» التي ناهزت أنْ تكون عاما واحدا بشرف التعرف على الدور الفاعل والتنشيطي للبيئة الحرة التي تقوي وتعزز من أعراض داء الكتابة الصحافية السليم، فهذه البيئة الزاخرة بالتنوع والتقدير والاحترام المتبادل هي وحدها الكفيلة بتفجير إمكانات وقدرات وطاقات الفرد أيا كان مستواها الإبداعي كما أنها منوطة بتوسيع آفاقه وفتح مداركه وتأهيله للتعايش مع التنوع والاختلاف بألفة سلام.

ولو تسنّى لي الحديث عن أبرز التحديات التي تواجه مسيرة «الوسط» الصحافية وتعرقلها بالإضافة إلى أهمية المحافظة على مستويات التميز النوعي والموضوعية والاحترافية العالية والصمود في خضم منافسة مؤهلة للازدياد والاتساع، وذلك من منظور اجتماعي وسياسي هو أسير لظروف خطيرة محمومة بالانقسام الطائفي والتشطير العمودي للمجتمع، فهذا التحدّي أن تواصل الصحيفة سعيها في أنْ تكون نقطة الارتكاز والتماس الصحافية في الالتقاء الوطني على مختلف الملفات والقضايا والموضوعات الوطنية فتخذل وتتجاوز بذلك جميع التصانيف السياسية المحجمة لهذه الصحيفة والساعية إلى تأطيرها مذهبيا وسياسيا، وبالتالي ما تحمله من رؤى وما تفتحه من ملفات وتتناوله من قضايا، فلا تكون بالتالي عنصرا وأداة ووسيلة تنافسية سياسية للاندماج في الصراع الاجتماعي السياسي المحموم وسباق التحزّب الأعمى والتقوقع الطائفي، وإنما هي المخرج ومنفذ الهداية الوطنية لجميع الأطراف المتصارعة.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1826 - الأربعاء 05 سبتمبر 2007م الموافق 22 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً