كان للبروتستانتية المحاصرة في أوروبا أن تنعم في المستعمرات الأميركية بالحرية، والحديث عن التعدد الديني في المستعمرات الأميركية لا بد وأن ينتهي حيث الإقرار الضمني بنجاح الإمبراطورية الجديدة في صناعة بيئة صحية ضمنت وحققت الفضاء المفتوح لممارسة الحريات الدينية، من دون قيود.
لا بد من إدراك أهمية الثيمة الدينية في تأسيس الولايات المتحدة، فالأميركيون اليوم على الأقل، يصنفون بأنهم من أكثر الشعوب إيمانا، وتظهر نسب زيارة الكنائس أرقاما قياسية تتضارب والحديث عن دعاوى إلحادية الإمبراطورية. الثيمة الدينية، التي أدت في البدء إلى محاكمات دينية في المستعمرات خلال القرن السادس عشر، وإلى طرد الكاثوليك من الشمال واضطهاد البيروتان في الجنوب، أصبحت بعد عصر النهضة في القرن السابع عشر، ثيمة مركزية أيضا، في صناعة التسامح الديني والإنفتاح الذي أعطى المجتمع الأميركي اليوم تنوعه الديني الخاص.
البيورتان ... في نيو إنجلند
كان البيوريتانيون في نيو إنجلند يعيشون في مستوى عال من الحريات، يقول الباحث التاريخي محمد النيرب «لقد كان للصفات التي تمتعت بها هذه الطائفة الدينية أكبر الأثر على الحياة في المجتمع الجديد أكثر من أي فئة أخرى. ومن صفاتهم: أولا، أنهم كانوا من أتباع جون كالفن الذين يؤمنون بأن الإنسان مسير وليس مخيرا. ثانيا، بأن الرب هو الذي قرر بالفعل أولئك الذين سينقذهم (في الآخرة) وبالتالي، فإن كثيرا من البيورتان كانوا من المتصوفين».
تعرض البيورتان لاضطهاد من قبل الكثير من الطوائف المسيحية الأخرى في مجتمع المستعمرات الأميركية، خصوصا من طائفة المعمدانيين (baptisis) والكويكرز والكاثوليك، بالإضافة للاضطهاد اليهودي.
البيورتان كانوا محكومين بنظام أخلاقي صارم، كانوا يحرّمون العمل يوم الأحد، ويجبرون الأهالي على الذهاب للكنائس. ومع ذلك، لم تستطع هذه الفئة أن تفرض أجندتها خارج نيو إنجلند بل أن نيو إنجلند نفسها لم تعط البيروتان الحرية المطلقة.
المستعمرات الوسطى كانت تتعايش دينيا وفق سياق مختلف، يقول النيرب «كانت فئة الكويكرز تمثل الغالبية العظمى في بنسلفانيا ونيوجرسي. أما الاسكتلنديون الإيرلنديون فقد جلبوا مجموعة من اللوثرين( Lutherans) والمينوناتيز والموارفيين، كثير من البيوتانز استوطنوا نيوجرسي، أما نييورك فقد كانت هناك فئات من الهولنديين المصلحين وكذلك الألمان».
الأنجلكانية في الجنوب الأميركي
كانت الكنيسة الأنجلكانية التي تسيطر على المستعمرات الجنوبية تفرض الاتاوات على السكان لصالح الكنيسة. ويقول النيرب في معرض توصيفه للحياة الدينية في المستعمرات الجنوبية «أما ميريلاند فقد كان يقطنها فئة كبيرة من الكاثوليك. وجود أتباع الكنيسة الأنجلكانية الذين كانوا يتمتعون بالطلاقة والانفتاح على الحياة ميز الجنوب عن الشمال، ذلك الذي عرف التطرف الديني. أما البريستاريين والمعمدانيين والكويكرز فقد استوطنوا في المناطق الداخلية في الجنوب.
ويضيف النيرب «كان الاعتقاد بالسحر الديني ظاهرة شائعة في القرن السابع عشر، في كل من أوروبا وأميركا. لقد ظهرت في منطقة سالم العام 1692 هستيريا دينية شديدة لدى السكان. وقد بدأت هذه نتيجة اتهام بنتين صغيرتين، كانتا تستمعان لتعاويذ اثنين من الخدم من جزر الهند الغربية لبعض النساء الكبار في السن بأنهن ( أي النساء ) قد ألقين عليهما اللعنة. ونتيجة لهذه الاتهامات فقد أعدم تسعة عشر شخصا، قبل أن توقف المحاكمة التي كانت نتيجتها تعرض أشخاص مرموقين للمحاكمة. كل ذلك أدى إلى فقدان الثقة في بعض القادة البيورتان».
شروحات المسيحية
في المستعمرات الأميركية:
أولا: الانجليكان: نشأت الكنيسة الأنغليكيانية في القرون الوسطى اللاتينية (ecclesia Anglicana) وتعني: الكنيسة الإنجليزية، وتعرف الانغلكانية بالأسقفيه. والإيمان الانغليكاني، هو واحد من أكبر العقائد البروتستانتية والمسيحية قاطبة، وتقدر بنحو 73 مليون عضو.
الكنيسة الانغليكانية تعتبر نفسها جزءا من الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسوليه، كما وأن البعض منهم يعتبرون كنيستهم كنيسة كاثوليكيه وتم إصلاحها.
تمثل الأنجليكانية الكاثوليكيه غير البابوية، وتعتبر لدى العالم المسيحي بشكل عام مسيحية «بروتستانتية» من دون أن يكون هناك أي شخص يهيمن عليها، مثل لوثر أو كالفين، أو نوكس، أو يسلي. ولكن الكثير من الانغليكانيين يهتمون بالهوية الذاتية ويعتبرونها تمثل مزيجا من الاثنين.
وتذكر موسوعة ويكيبيديا المعلوماتية «ساعدت الكنيسة الاسقفية الاسكتلندية على تكوين الكنيسة الاسقفية في الولايات المتحدة الأميركية عن طريق تكريس الاسقف الأول «صموئيل سيبري» في مدينة ابردين (Aberdeen) الاسكتلندية، حيث تم رفض تكريسه من أساقفة إنجلترا لعدم قدرته على أخذ نذر الطاعة للعرش الإنجليزي المقرر لتكريس الأساقفة. وقررت الكنائس الاسكتلندية والأميركية وغيرها من الكنائس التي نشأت منها أن تفصل نظامها عن الكنائس التي نشأت من الكنيسة الإنجليزية، على سبيل المثال لعدم الارتباط الوثيق لهذه الكنيسة بالحكومة الإقليمية ووجود أسقف ليترأسها بدلا من المطران أو رئيس الاساقفة.
أوحت كنائس اسكتلندا وأميركا بالاسم الانغليكاني للكنائس، وعرف هذا الاسم في هذه المناطق، وفي جميع أنحاء العالم.
ثانيا: المعمدانيون: الكنيسة المعمدانية الانجيلية، وهي كنيسة بروتستانتية تؤمن بالكتاب المقدس وبقانون الايمان النيقاوي الذي يجمع عليه الكنيسة الاورثوذكسية والكاثوليكية. تؤمن الكنيسة المعمدانية أن المعمودية يجب أن تتم للبالغين فقط، وتمارس بالتغطيس وذلك بعد اقتناع الانسان بالايمان المسيحي عن حق واعترافه امام الملا أن يسوع المسيح هو ابن الله وان يؤمن بعقيدة الثالوث.
كما أنه يوجد عدة أنواع من الكنائس المعمدانية وهذه بعضها: العامة، الشمالية، الجنوبية، المستقلة، المصلحة، معمدانية حرية الإرادة، والمعمدانية الوطنية.
ويعود بداية الكنيسة المعمدانية إلى أيام الرسل كعقيدة وبعدها ضهرت كمجموعات مثل: الدوناتيين، الوالدانسيين، مكرري المعمودية ... وغيرها ولكنها لم تبرز ككنيسة معمدانية إلا في العام 1609 عندما نظمها ككنيسة جون سميث في إنجلترا.
ويقول القس غسان حداد، في كتابه تاريخ المعمدانيين في العالم2006، «انتشرت الكنيسة المعمدانية من إنجلترا إلى بلاد أخرى، وخصوصا الولايات المتحدة التي تم تأسيس الكنيسة المعمدانية فيها العام 1639 (...) نشطت الكنيسة المعمدانية في النشاط التبشيري منذ العام 1792. نشط مبشرون منذ ذلك العام في الهند، إفريقيا والصين. وقد برز العديد من الكهنة المعمدايين في نضال حقوق السود في الولايات المتحدة».
ثالثا: أدفنتست: أو السبتيون (السبتية) هم شيعة بروتستانتية ألفيَّة ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية في القرن التاسع عشر، تؤمن بقرب المجيء الثاني للمسيح إذ أن كلمة أدفنست (Adventist) تعني مجيئيون، وقد عرفوا سابقا بالميليريون نسبة لمؤسس هذه الطائفة وليم ميلر وهو واعظ معمداني (1782 – 1849) عمل سابقا كضابط في الجيش الأميركي.
هناك مجموعات مختلفة من الأدفنتست كالأدفنست الإنجيليون و كنيسة الأدفنتست المسيحية ولكن أكبر مجموعات الأدفنتست هي مجيئيو اليوم السابع (Seventh –Day Adventists) والتي أسست بين عامي 1844 و1855 بفضل جهود الوعاظ: جوزيف باتيس وجيمس وإيلين وايت وهم جميعا مواطنون أميركيون. وقد نالت هذه الجماعة اعتراف السلطات العام 1863، ومن أهم عقائدهم، الإيمان بقرب المجيء الثاني للمسيح، حفظ يوم السبت وتقديسه كيوم راحة الرب بدل يوم الأحد، التشديد على حرفية الكتاب المقدس، المعمودية بالتغطيس بالماء كما أنهم يمتنعون عن تناول اللحوم والمواد المخدرة والمنبهة.
رابعا: الكالفينيّة، وهي مذهب مسيحي بروتستانتي يعزى تأسيسه للمصلح الفرنسي جون كالفن، وانتشرت الكالفينية بين المستوطنين البيض في أميركا الشمالية، وكان معظم سكان نيو أمستردام (نيويورك) من الكالفينيين الهولنديين. وكانت هذه الفئة الأخيرة من أوائل المستعمرين البيض الذين نجحوا بإنشاء مستوطنات في جنوب إفريقيا والذين عرفوا لاحقا بالبوير (Boers) أو الأفريكان (Afrikaners).
خرجت عن المذهب الكالفيني مذاهب وكنائس عدة من أبرزها المذهب الطهوري، والذي أسسه الإنجليز الخارجون عن الكنيسة الأنغليكانية والذين استوطنوا في القارة الأميركية.
واستنادا لرأي ماكس فيبر، فقد لعبت الكالفينية دورا مهما في ظهور العقلية الرأسمالية في أوروبا، وذلك لقولها إن النجاح على الصعيد المادي هو دلالة على نعمة إلهية واختيار مسبق للخلاص.
خامسا: اللوثرية، وهي أول مذاهب البروتستانتية وأكبر فرقها، يرجع تأسيسها إلى مارتن لوثر والذي كان راهبا أوغسطينيا حاول في القرن السادس عشر القيام بحركة إصلاحية في الكنيسة الكاثوليكية، فأدى ذلك لاصطدامه مع القيادات الكاثوليكية فانفصل عنها وأسس كنائس مستقلة ذات تنظيم وإدارة جديدة عرفت بالكنائس الإنجيلية أو البروتستانتية، كانت ألمانيا وتعتبر البلدان الاسكندنافية أبرز مواطن انتشارها.
يتبع هذا المذهب اليوم نحو 70 مليون مسيحي ينتمون للكنيسة اللوثرية العالمية، وهناك علاوة على ذلك أربعمئة مليون مسيحي بروتستانتي يتبعون هذا المذهب بشكل جزئي في كنائسهم المختلفة في جميع أنحاء العالم.
العدد 1826 - الأربعاء 05 سبتمبر 2007م الموافق 22 شعبان 1428هـ
dar
جيد
شكرا
شكرا لكم على هذه المعلومات كل الاحترام وشكرا