مِنْ أينَ أينَ كَبُرْتَ؟

شَدَّتْكَ البلادُ لفكرةِ المنفى

هُنَا يتناسلُ الحَرَسُ الكريهُ

يَؤُمُّ ما تركتْ يدُ الأيامِ

في منْأى عن الغازِ المسيِّلِ للدموعِ

وتشتكي صبْرا

أيَا صَبْرُ انتبِهْ...

لاَ صَبْرَ يعبرُ كُلَّ ما عَبَرَتْ خُطَاكَ

أَدِرْ رُؤَاكَ...

أَدِرْ رُحَى لِمَدَاكَ

كُنْ نَجْمَا إذَا ما اسْطَعْتَ

كُنْ لترابِكَ المنسيِّ أفْلاكَا

إذا ما اسْطَعْتَ

كُنْ... أوْ كُنْ سَمَاكْ...

هنا بلادٌ تزرعُ العَسَسَ

ابتهاجا باختصارِ الأفْق أو تأميمِهِ...

لمْْ أضطربْ بحدودِ أقبيةٍ وقافيةٍ

وموتى يرحلونَ كما المزاجِ

ولم أُعِرْ قاموسَ هذا الوقتِ «سُبَّاطا»

لأنِّي مُذْ نَشَأْتُ على «الصعُودِ»

تَرَكْتُ خِصيَان الطبيعةِ

يغْزِلُونَ ضيَاعهُمْ

ومضيتُ... لي السهْلُ الصديقُ

وخيلُ أجدادي

وغربُ اللهِ

شرقُ موائدي

وجنوبُ أعبائي

شمالُ مصاحفٍ لم تنتبهْ لِغُزَاتِهَا

وليَ البدايةُ والدرايةُ والكنايةُ

والصبَابةُ وانتباهةُ كلِّ ما تركَتْ

سيولُ الأرضِ من تاريخِهَا...

لاَ خَيْلَ بعد الآنَ

تحملُني إلى المنفى الأصيلِ

ولاَ سَريرَ يليقُ بي

بعد انكسار ٍشاهرٍ راياتِه...

يا أنْتَ لم تمدحْ طبيعتَكَ

انتهى صبْحُ الذين تحبُّهم

يا أنتَ كم ذَهَبُ العَبَاءَةِ مرهقٌ

في وسْط هذا الجوعِ والفوضَى!

وياَ أنْتَ انتبهْ

لبكاءِ أسرابٍ عليكَ

وأنتَ «مُلْغَى» في فضَاءٍ

لا يمتُّ إليكَ...

يا أنتَ انتبهْ لـ «صعودِ» سُكَّانٍ مزاجيّينَ

حَدَّ «الموتِ»

يا أنتَ انتبهْ

لغموضِ هذا العفْوِ

كيْ لا تظلمَ الأضْدَادَ

يا أنت انتبهْ

لعراءِ جنّاتٍ تُقَامُ

على جحيمٍ ماثلٍ...

يا أنتَ مِنْ أيْنَ انتهيتَ وكيف؟

كلُّ قيامتي بيضاءُ

والتكوين من وتَر يسيل

وليس في «المعنى»

سوى ليلِ «المغنّي»

في استدارة حزنه...

وفضاءِ إسماعيلَ قبل دقيقتين

من ابتكار خلاصه...

يا أنتَ يا أنتَ انتبهْ

لضيوفِ دربِ الياسمين

وداكنِ الأصواتِ

للضجرِ الأليفِ إذاَ استراحَ دقيقة

لشئونِ أحفادٍ طغوا...

كُنْ ريشة لغُرابِ وقتٍ مّا

وكُنْ صوتا أليفَ الفقْد

كنْ غيبا نراهُ ولا نراهْ...

وكنْ أبا لترابِ شاهِدِنَا هناكَ...

هناكَ في البئرِ القديمةِ

ملّنا الماءُ السبيلُ

وطيبةُ الراعي

وما أذِنَ المدى

وأيائلُ الوادي

وصوتٌ رنَّ كالذهبِ المُخبّأ

في جِرَار الماءِ

يا أنتَ انتبهْ لسحيقِ «وادٍ غيرِ ذي حفلٍ»

وللغتين: واحدةٍ لها صفةُ الحَرَسْ

وسراب آخرها له صفةُ الخَرَسْ...

غرباءُ في الرشواتِ

في بحرٍ يقيمُ موائدا

من غُصَّةِ البحّارةِ الغرباءِ

يا أنتَ انتبهْ...