على نحو غير متوقع، وبشكل ملفت للنظر، تراجع، في الآونة الأخيرة، الحديث العلني عن ظاهرة غلاء المعيشة، لكن ذلك ما يطفو على السطح، إذ يصعب أن يخلو أي حديث في المجالس البحرينية من إشارة إلى غلاء المعيشة الذي يلم بالبلاد ويهدد الأمن الاجتماعي قبل السياسي. وكثيرا ما تنتهي النقاشات السياسية عند محطة الغلاء وانعكاساته على تطور الأوضاع في البحرين، ومع اقتراب شهر رمضان تطغى أصوات المتحدثين عن غلاء الأسعار التي تلسع المواطن على الأصوات الأخرى، وتعلو معها أصوات المنادين منها بالبحث عن حلول صحيحة لوقف هذه الظاهرة.
صحيح أن البحرين ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تعاني من ظاهرة ارتفاع الغلاء، فقد أظهرت نتائج آخر استطلاع للرأي قامت به الجمعية الاقتصادية الكويتية شمل عينة تتألف من 1200 مواطن كويتي أن 64 في المئة من الكويتيين يعتبرون مشكلة ارتفاع كلف المعيشة وما يرتبط بها من غلاء في الأسعار وديون وقروض هي أكثر ما يقلقهم.
ويبدو أن هناك موجة غلاء معيشة تعم دول مجلس التعاون، فقد ذكر التقرير الاقتصادي الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني في 13 أغسطس/ آب 2007 «أن دول مجلس التعاون الخليجي شهدت حالا من الازدهار الاقتصادي منذ بداية الوفرة النفطية الحالية، وامتدت لتشمل كل القطاعات الاقتصادية، وحملت في طياتها النمو الاقتصادي بمستويات قياسية».
لكن التقرير أشار إلى أن الفوائض الملموسة في الحساب الجاري والموازنات الحكومية لدول المجلس، إضافة إلى بناء كم هائل من الاحتياطات بالعملات الأجنبية، رافقتها ضغوط تضخمية بدأت بالتنامي في الآونة الأخيرة وخصوصا خلال العامين السابقين.
ولاحظ التقرير أن «العوامل الرئيسية المسببة لارتفاع معدلات التضخم في الدول الخليجية تتباين بين دولة خليجية وأخرى، وأن ارتفاع معدل الإيجارات كان وراء تزايد معدل التضخم في قطر والإمارات، والتسارع في أسعار المواد الغذائية العامل الرئيس لارتفاع التضخم في السعودية».
ولربما وجدنا من ينبري ليدافع عن موجة الغلاء هذه بالقول إن غلاء المعيشة اليوم بات أمرا من سمات العصر الحديث التي لا يستطيع أحد التكهن بما ستصل إليه الأمور في المستقبل، وكيف ستئول إليه الأوضاع. فحتى تلك الدول التي كان يؤمل منها، ووفق تخطيطها الاقتصادي أن تصل إلى مجتمع الرفاهية، وتضع متطلبات العيش الرغيد في متناول الجميع فشلت في الوصول إلى ذلك، بل إن واقع الحال فيها يشير إلى الاتجاه المعاكس، ويسجل الكثير من الدول غلاء كبيرا متصاعدا يوما بعد آخر.
ويستند مثل هؤلاء إلى أرقام عالمية مثل ما تأتي به دراسات البنك الدولي وصندوق النقد الدول، إذ تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن المتوسط العالمي لأسعار الغذاء ارتفع بنسبة 14,3في المئة خلال العام 2004، وبما نسبته 9,9 في المئة خلال العام 2006.
أما مجموعة «سلع وخدمات أخرى» والتي تضم بشكل رئيسي السلع والخدمات الترفيهية والشخصية، فقد احتلت المرتبة الثانية من حيث مساهمتها في ارتفاع معدل غلاء المعيشة، إذ أسهمت بنحو 17,8 في المئة من معدل الزيادة في أسعار المستهلك خلال العامين 2005 و 2006، و9 في المئة من الزيادة المسجلة خلال خمسة الأشهر الأولى من العام الجاري.
ويذهب هؤلاء في تبريراتهم لموجة الغلاء هذه بالقول إنه حتى عواصم البلدان الاشتراكية التي كانت تعتبر من المدن الرخيصة والتي كانت تستقطب أموال المغتربين وخصوصا من قبل المهاجرين والدارسين من الشرق الاوسط في الحقبة الاشتراكية، نظرا إلى انخفاض الكلف فيها أمست في الزمن الحالي عسيرة بدرجة كبيرة. فقد تصدرت موسكو، على سبيل المثال، وللعام الثاني على التوالي لائحة أغلى مدينة في العالم وتأتي بعدها تل أبيب بالنسبة إلى الشرق الأوسط. ونقلت هذا التقييم محطة الـ CNN، نقلا عن دراسة طويلة نشرت حديثا.
ووفقا لتلك الدراسة، التي اعتبرت مدينة نيويورك معيارا لكلفة العيش، فإنّ موسكو أغلى من نيويورك بنحو 35 في المئة مع الأخذ في الاعتبار كلف السكن والنقل والأكل واللباس والترفيه. إذ يكلف إيجار شقة من غرفتين في موسكو 4000 دولار شهريا فيما يبلغ ثمن قرص مدمج نحو 25 دولارا بينما يبلغ سعر صحيفة دولية 6,30 دولارات وشطيرة هامبرغر قرابة 5 دولارات.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1825 - الثلثاء 04 سبتمبر 2007م الموافق 21 شعبان 1428هـ