بالأمس، وبينما كنا في جولة استطلاعية مع الناشط البيئي غازي المرباطي في مياه محافظة المحرق، شاهدنا منظر الدفان الذي لا يمكن إلا أن نسميه جائرا، لأسباب عدة سنأتي عليها تباعا في هذه السطور... المنظر الأليم للبحر، والمشهد الغريب للجرافات التي تجوب السواحل، وصورة الحفارات التي تلهو وتلعب في عرض البحر، كل ذلك ينذر بكارثة بيئية غير معلنة بعد!

وأمام هذا المشهد الغريب، لم نكن لنملك إلا وضع الأيدي على الخدود وتأمل المساحات الشاسعة التي ستدفن في المنطقة، التي لن تقل مساحة عن محافظة المحرق أو أقل، بحسب تأكيدات المرباطي، بل وبحسب المشاهدات نفسها، إذ عمدت الجهة المسئولة عن الدفان إلى ردم البحر مشكلة جزرا صغيرة قريبة من بعضها بعضا، في خطوة لا تجعلنا نشك في أن الدفان سيمتد إلى مرأى البصر من دون أن يوضع حد لخط نهائي!

والواضح أن الجهة المعنية لديها مخطط أولي لبيع الأراضي التي ستدفن في المساحة الحالية، وبعد أن تتأكد من الإقبال ومن الأسعار التي رسمتها في مخيلتها فإنها ستكمل المشوار لتتحول البحرين الصغيرة في مساحتها اليابسة إلى أرض شاسعة، ومن يدري لعل لدى دول الجوار مخطط اربط بعضها بعضا، ولا نستغرب إذا ما وصلت مساحة البحرين إلى نقطة الحدود البحرية!

دعونا لا نذهب بعيدا، ولنستعرض معا عمليات الدفان ولنحكم عليها، هل هي عمليات دفان تراعى فيها الجوانب البيئية؟ أولا، من يشاهد الدخان المتصاعد من الحفارات، ويشم الرائحة الكريهة التي تصدر عن هذه المكنات يدرك أن الاعتبارات البيئية لا وجود لها في قاسم من يترأس هذه العمليات، سواء أكانت الحكومة أو المتنفذين أو أيا يكن... وأما عمليات الدفان فلها حكاية أخرى، فللمرة الأولى نشاهد الدفان بواسطة الحفارات نفسها من دون أن تحجز المياه القريبة التي لا يراد دفنها، فالمعروف أن تحدد المنطقة المراد دفنها بالحصى وتسور به لكي لا يصل الرمل إلى المياه القريبة! ولكن لربما لم يكن لهذا الاعتبار مكان إذا ما سلمنا بأن جميع المساحات مستهدفة للدفان، فما الداعي حينها لتسوير المياه وزيادة الأعباء المادية والآليات!

السؤال الذي ربما يشغل أهالي محافظة المحرق، الذين لا يعلمون الكثير عما يجري في بحرهم المستهدف بالدفان، هو: ما الذي سيدخل في جيوبهم؟ هل سيحصلون على وحدات سكنية؟ قسائم؟ شقق؟ أو على الأقل «محاكر»؟ ونقول لكل من يحلم بذلك «مش بوزك»، فمن المستحيل أن يتم التفريط بمساحة تدر الملايين لصالح المواطنين، وما المانع في أن يتحمل المواطنون بضع سنين في «الأقفاص» حتى يفرج الله علينا! وإذا ما بقيت المخططات سرية كما حدث في خليج توبلي ومخطط البحرين الجديدة، فلا نملك إلا أن نقول: وا على البحر السلام، وا على الأرض السلام، وا على البحرين السلام!