العدد 1824 - الإثنين 03 سبتمبر 2007م الموافق 20 شعبان 1428هـ

ما أكثر الرسائل التي تهز يا لميس!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الأخت «لميس ضيف» كتبت مقالا في صحيفة «الأيام» في 26 أغسطس/ آب 2007 تحت عنوان «الرسالة التي هزت جدة» تحدثت فيها عن قصة الطفلة «أريج» التي ماتت تحت وطأة تعذيب والدها؟ هذا «الوالد» طلق والدتها وهي لا تزال حاملا بـ «أريج» ثم عندما بلغت العمر الذي يحق له أخذها من والدتها تقدم للقاضي يطلب الحكم له بحضانة ابنته فحكم له القاضي بذلك.

هذا الوالد لم يكن والدا على الاطلاق فكان يعذب ابنته - ربما نكاية بوالدتها - وربما لأنه مريض نفسيا - وهذا الأرجح - وشعرت الطفلة بألم العذاب وبألم فراق والدتها فكتبت رسالة رقيقة تعبر لوالدتها عن حبها لها وتعلقها بها ورغبتها في رؤيتها.

الراجح أن «الوالد» علم بهذه الرسالة فزاد في تعذيب طفلته فماتت بين يديه في اليوم التالي لإرسال الرسالة، وأسدل الستار على أبشع جريمة يرتكبها والد بحق طفلته...

الأخت «لميس» أشارت إلى قصص أخرى مما يجري في محاكم السعودية والبحرين للأطفال بسبب سوء تقدير القضاة لمسألة الحضانة ومن هو الذي يستحقها من الوالدين...

الحديث عن المحاكم وماذا يجري فيها حديث يطول بسبب كثرة معاناة الناس جميعا، أطفالا ورجالا ونساء من الإجراءات السيئة التي يشاهدونها في المحاكم، والمسألة هنا لا تحلها كثرة الكتابات ولكنها تحتاج إلى وقفة - قد تطول - من المسئولين ومن الناس جميعا خصوصا أولئك الذين وقع عليهم الظلم، ومن كل العقلاء في المجتمع على مختلف مستوياتهم وتخصصاتهم...

وابتداء لا بد أن نتفق على أهمية القضاء ومكانته وضرورة أن يكون القضاء نزيها ومستقلا ولا يخضع لسلطة أحد أو لأهواء القاضي أو سواه...

ولا بد أيضا قبل أن تنتقد القضاة وأحكامهم أن نتفهم حاجاتهم وأن نوفر لهم الأجواء المريحة لكي يمارسوا أعمالهم بعيدا عن كل الضغوط المادية والنفسية...

لابد أن يتوفر للقاضي دخلا ماديا يكفيه بصورة جيدة لكي لا يكون بحاجة إلى أي شيء، لأن هذه الحاجة قد تدفعه للخضوع للابتزاز المادي من هذا أو ذاك أو قد تدفعه للبحث عن عمل آخر وهذا يؤثر سلبا على مكانته وعمله وقد يقع في بعض المحظورات التي تؤثر عليه...

وأرى كذلك أن لابد من إخضاع القضاة لدورات مكثفة ومتعددة تعلمهم كيفية التعامل مع الناس وكيفية فهم نفسياتهم، وكذلك فهم الواقع الذي يعيشون فيه ومتغيراته السريعة لأن هذه المسائل تفيدهم في أعمالهم، لأن بعض الأحكام الشرعية لها علاقة مباشرة بتصرفات الإنسان وسلوكه، ولأن هذه الدورات قد تجعلهم يطورون أداءهم ويسهلون على الناس قضاياهم...

أعود إلى قضية «أريج» فأقول إنني أتفق مع الأخت «لميس» في أن بعض الأحكام المتعلقة بالحضانة لا تدرس من القضاة بصورة جيدة فقد يكتفي القاضي بالحكم العام وهو أن حضانة الطفلة من حق والدها إذا بلغت السابعة أما الطفل فيعطى فرصة اختيار أحد والديه...

كلنا نحترم الأحكام الشرعية باعتبارها أحكاما ربانية لكن هذه الأحكام لها فلسفة تدور عليها وأهداف حكيمة تتصل بها فإذا لم تتوفر هذه الأهداف فلابد للقاضي أن يتعامل معها بحسب الظروف التي تحيط بها ولا يكتفي بتطبيق الحكم العام لأن ظروف هذا الحكم قد لا تنطبق على سائر الناس...

حضانة الطفلة حق لوالدها لأنها تحمل أسمه ولأن والدتها قد تتزوج في أي وقت ما يجعل الطفلة تعيش مع رجل غريب عنها، وما أكثر الحوادث السيئة التي نسمعها من جراء هذا الوضع، ولأن الوالد رحيم بابنته ولأن من واجبه حمايتها وإسعادها فهو أحق الناس بها...

هذا هو المفترض ولكن قد يكون لهذه القاعدة شواذ فقد لا يكون الوالد صالحا ولا مأمونا على ابنته ولا تتحقق فيه صفات الأبوة فهنا لا يحق للقاضي أن يحكم له بالحضانة، وأعتقد أن قاضي «أريج» وسواها لو تتبعوا سيرة أولئك الأباء لما حكموا لهم مطلقا بحضانة أطفالهم لكنهم لم يفعلوا وأكتفوا بالحكم العام الذي لا ينطبق على حالة أولئك الأباء (الفاسدين)...

هناك أطفال يضيعون، وآخرون يموتون ويتعذبون، وهناك قلوب تحترق، كل ذلك يحدث بسبب سوء تقدير بعض القضاة وعدم معرفتهم بفقه الواقع الذي يحيط بهم...

وقضايا النساء في المحاكم لا تختلف كثيرا عن بعض القضاة عن مسألة الأطفال فكثيرا ما سمعنا عن سوء تقدير القضاة لهذه المسائل وتأخير البت فيها لسنين أحيانا ما يلحق الأذى بالمرأة ويبقيها تحت سوء تقدير زوج لا يرحم وحياة غير كريمة...

كل ذلك يجري مع أن الشارع الحكيم كان شديد الوضوح في هذه المسائل، فمن حق الزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا كان سيئ السيرة أو لا يعاملها بصورة حسنة، ومن حقها أيضا أن تطلب الخلع منه إذا كانت لا تحبه ومن دون إبداء أي سبب ومن واجب القاضي أن يفعل ذلك وسريعا وليس من حقه أن يؤخر مثل هذه القضايا تحت أي ذريعة...

وأخيرا أود القول إن هناك «رسائل» كثيرة ومتنوعة تأتي من هنا وهناك، رسائل ممن ظلمتهم المحاكم سواء أكانوا من النساء أو الأطفال أو من الرجال الذين طالبوا بالإصلاح من الكتاب أو الصحافيين أو سواهم، كل ذلك لأنهم قالوا كلمة الحق التي يؤمنون بها...

رسائل متنوعة من العاطلين والعاطلات عن العمل، من الشباب الذين لا يجدون أماكن في الجامعات، أو من الناس الذين لا تتحقق مصالحهم هنا أو هناك...

الرسائل كثيرة، والرساله موجعة، وستبقى كذلك حتى يتحرك الناس للمطالبة بحقوقهم، وحتى يدرك القضاة والمسئولون جميعا أن أولئك الناس وهم في مركب واحد أن غرق غرقوا جميعا وأن نجا نجوا جميعا...

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1824 - الإثنين 03 سبتمبر 2007م الموافق 20 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً