ليس هناك وزارةٌ أكبر ولا أضخم ولا أشد وطأة ولا أثقل مسئولية من وزارة التربية والتعليم. فهذه الوزارة تستضيف في رحابها ربع سكّان البحرين لمدة عشرة أشهر كلّ عام، ويقع على عاتقها «تربية» الجيل الصاعد، و«تعليم» الطلاب وإعدادهم وتهيئتهم للاندماج في سوق العمل أو لمواصلة الدراسة الجامعية، ورفد الوطن بالكوادر المؤهلة في مختلف المجالات. من هنا فإنّ أيّ خلل يعتري أداء هذه الوزارة، توظيفا أو إدارة أو مناهج أو سياسة بعثات، سرعان ما تكون نتائجُه السلبية واضحة للعيان.
خطأ الوزارة أنّها أصبحت تسيء فهم ما يكتب عنها من نقد، وتساهم في تفسيره ليتخذ منحى طائفياَ، وهو تفكيرٌ قد يكون مهضوما من كاتبٍ حزبي يهبّ لنصرة جماعته و«أصدقائه» ظالمينَ أو مظلومينَ، ولكنه لا يصلح «مانشيتا» في جريدة على لسان وزير.
الوزارة بهذه الطريقة، تقطعُ على نفسها فرصة تدارك الخطأ وتصحيح الأخطاء، ومعالجة الممارسات الفئوية الخاطئة في أروقتها، وتغلق عقلها عن استماع وجهات النظر الناقدة والناصحة. فإذا كانت هناك انتقاداتٌ تُكتب وتُنشر تحت الشمس، وبروحٍ عاليةٍ من الإحساس بالمسئولية الوطنية، فلماذا اللجوء إلى اتهام الآخرين بابتزاز الوزارة؟ ولماذا إشهار تهمة «التسييس» عند الحديث عن ممارسات أقل ما يُقال عنها «ضارة»، إنْ لم تكن تمييزا متعمّدا ضد بعض فئات المجتمع؟
الملاحظ أنّ الوزارة سكتت أكثر من أسبوعين على الانتقادات التي نُشِرتْ بوجود «خلل» في اعتماد أسماء المبتعثين للدراسات العليا، وبنسبة «محاصصة» واضحة (ثلث وثلثين)، ما أوحى بالتسليم الضمني بوجود الخطيئة. وفي المقابل استنفر بعض «أصدقاء الوزارة»، للدفاع عن سياسة «الأمر الواقع»، وبدل الرد الموضوعي بنفي وجود هذا الاتجاه التشطيري للمجتمع، اتّجه الخطاب إلى التشكيك واتهام المنتقِدِين بالطائفية، بل واللجوء إلى خطاب نشاز: «وزارتنا» و«وزارتكم»، و«طائفتنا» و«طائفتكم»، والنتيجة تشظّي وتجزئة هذا الوطن الصغير.
بل ذهب الخطاب إلى مستوى غير معهود من الاستنفار «العصبوي»، بتقديم الحجج والذرائع والنظريات العنصرية بالتشكيك في شريك الوطن باعتباره سبب تدهور التعليم... وهو ما يحدث لأوّل مرة ربما في تاريخ البحرين التي قامتْ على التسامح والانفتاح حتى مع الغرباء فوصلتْ بنا العصبوية إلى هذا الحال الحزين.
الانتقاد لم يكن وليد كشف الوثائق التي نُشرت على الصفحة الأولى، بل كان نتاج تراكم سنوات من الممارسة الخاطئة على الأرض. وخطورتها أنها تهدّد بالتفريط في أهم ما أنجزه عهد الاستقلال من «ديمقراطية التعليم»، التي وفّرت مبدأ «تكافؤ الفرص» وأتاحت الحراك بين طبقات المجتمع. والمؤسف أننا لم نقرأ ردا للتهمة، بل «إعادة تدوير» لها وقذفها في الاتجاه الآخر، بالقول انه «ابتزاز للتربية وتسييس لعمل فني وإداري من صلب عمل الوزارة وصلاحيتها».
المشكلة التي «تجهلها» الوزارة تتحدّث عنها بقية أوساط المجتمع، خصوصا المتضررين مباشرة من سياسات التهميش، وهي إن هناك تيارا سياسيا معيّنا يتحكّم في مفاصل الوزارة، بعيدا عن المصلحة الوطنية العليا، وآخر الأمثلة تلك «المحاصصة» (الثلث والثلثين) التي يتهم بها الوزير «الطرف الآخر» الذي ينتقدها أصلا ويطالب بمحاربتها.
إذا لم تدرك الوزارة أنها مشكلة «فئوية» وليست طائفية، فستبقى الوزارة تسيء تفسير الرسائل النقدية، وتتورّط أكثر في استنتاجات خاطئة، وسنبقى نقرأ الردود أوّلا في أعمدة أصدقائها، وبعد أسبوعين سنقرأها «مانشيتات» على طريقة الـ ( CUT &PASTE).
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1823 - الأحد 02 سبتمبر 2007م الموافق 19 شعبان 1428هـ