بعد أن عشنا عدة أشهر من الرومانسية والحب والعشق المطلق، مع مسلسلي ( نور) و(سنوات الضياع) في الصيف الماضي، وصلت إلينا حكايات مآسي ومشكلات الأتراك، من خلال مسلسل (لحظة وداع)، ومسلسل (الأجنحة المتكسرة) الذي لم يمض الكثير على بدء عرضه، وقبله المسلسل الذي أثار الكثير من الجدل بشأن موضوعه (لا مكان... لا وطن).
ولعل مجموعة الشتاء من المسلسلات التركية استطاعت أن تحقق النجاح الذي حققته سابقاتها في الصيف الفائت، إلا أن الموضوعات الجديدة استطاعت أن تزيد من الجدل بشأن أفكار المسلسلات وقضاياها الرئيسية، أكثر من الجدل الذي دار على مسلسلي نور وسنوات الضياع، التي تمحورت بشكل أساسي حول جدوى جلب مسلسلات مدبلجة لقنواتنا العربية في حين أن المشاهد العربي لا يصدف الكثير من الأعمال العربية على شاشات فضائياته، لحصرها في موسم المسلسلات، شهر رمضان.
ويرى البعض أن بروز أفكار المجموعة الجديدة من المسلسلات التركية وتعدد الآراء فيها، جاء من كون المسلسلات التركية استطاعت أن تثبت لها دعامة تفرض وجودها في جدول الفضائيات العربية لفترة من الزمن بإثباتها أنها وسيلة جيدة لرفع عدد المشاهدين للمحطات التي تقدمها، ما أرجع مسألة النقاش في وجودها بالأصل للخلف قليلا، لتتقدم أفكار الأعمال ومواضيعها لساحة الجدل بشكل أساسي، وبهذا تكون الدراما التركية أصبحت واقعا لا مفر منه وبات لها مكانة لا يمكن إغفالها.
من الأمور التي ساهمت أيضا في خلق جدل عن أفكار هذه المسلسلات هو أنها طرحت موضوعات أكثر عمق ما طرح في المسلسلين السابقين، اللذين دارا حول قصة حب رومنسية تعيش مراحل، وتوغل في الشاعرية.
ولعل مسلسل (لا مكان لا وطن) الذي يدور حول فكرة خرق قيمة اخلاقية في المجتمع قد لا تخلو من الحب والعشق اللذين تدور حولهما جميع هذه المسلسلات، إلا أن قضية الوقوع في خطيئة الحمل خارج منظومة الزواج، ومن ثم طرح مسألة قضية غسل العار بمحاولات قتل بطلة المسلسل (منى)، تسببت بجدل كبير بشأن هذه القصة، وخصوصا في الأردن التي تشهد نِسبا عالية من جرائم الشرف كل عام، ما جعل الأردنيين ينقسمون ما بين مؤيد ومناصر لحل الأب (عبدالله) الذي يحاول أن يقوّم الأمور ويحافظ على حياة ابنته من خلال تزويجها لعشيقها (حسين)، في مقابل موقف الأب موقف الأعمام والعائلة عموما، الذين وجدوا أن غسل العار لا يكون إلا بقتل البطلة (منى)، وكما يبدو أن الكثير من الأردنيين وخصوصا الرجال كانوا مؤيدين للرأي الثاني.
بالإضافة إلى مسألة موضوع العمل الذي لم يختر مستوى شديد السطحية لطرح القصة، فإن محاولة المخرج والممثلين مقاربة الواقع في الأداء والإنتاج النهائي للعمل أكسبه المزيد من الشعبية، فالعمل الذي يدور في أجواء القرية، ويتحدث بشكل أساسي عن نمط العلاقات الموجود في هذه البيئة الفقيرة، قارب الواقع بديكورات التصوير، وبالهيئة العامة للمثلين التي ابتعدت كل البعد عن المبالغة، وحاكوا بهيئتهم من ملابس ومكياج، وأسلوب تفاعل ما يمكن أن نراه من أبناء القرى، ويبقى التعليق على الأداء الصوتي (الإلقاء) والحوار ما بين الممثلين، مسألة لا نستطيع الحكم عليها، لكون العمل مدبلج للهجة عربية، وبالتالي فدور المؤدين من ممثلين عرب لا يمكن إغفاله.
وإذ كان مسلسل نور قدم لنا الكثير من الجميلات بملابس أنيقة جدا ومكلفة، إضافة للمناظر الطبيعية الخلابة، ورومنسية حدودها السماء تكاد تخلق تساؤلا لدى كل واحد منا، هل هناك عشاق من هذا النوع في واقع الحياة؟، وأخيرا مفارش وأغطية مميزة لسرير غرفة نوم بطلة المسلسل ( نور) التي كانت تتغير كلما خرج البطلين من غرفتهما وعادا إليها. فإن مسلسل (لحظة وداع) لم يختلف عما سبقه في هذه المسألة، فالجميع يسكنون في منازل ذات ديكورات (مستخرجة من المجلات) منظمة جدا وأنيقة ومترفة، كما أن عرض الأزياء الذي تقدمه الممثلات طيلة العمل بتنوع الملابس والأحذية ما بين كل مشهد وآخر، يجعل من متابعته ترفيه خفيف لا يغوص في قضايا شائكة، فرصة جيدة للابتعاد عن ضغط الحياة.
العدد 2269 - الجمعة 21 نوفمبر 2008م الموافق 22 ذي القعدة 1429هـ