الذاكرة البحرينية لم تنسَ للصحافة في ماضيها القريب دورها في تمرير تغيير الإجازة الأسبوعية من يومي الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت.
يومها، قبل عدّة سنوات، ربما تذكرون ما قامتْ به بعض الصحف من إجراء تحقيقات وفبركة «استطلاعات» وكتابة أعمدة موجّهة كلّها لترويج وتزيين الإجازة الجديدة، فالرغبة الرسمية في التغيير كانت محسومة، وما دور الصحافة إلاّ العمل على توليد الجنين عندما تقترب لحظة الولادة. ولم يسأل أحدٌ عن رأي الناس الحقيقي في التغيير، أو تأثيره على نمط حياة عشرات الآلاف من المواطنين والمقيمين، ولا حتى التفكير بإجراء استطلاع حقيقي غير مزوّر لمعرفة آراء الناس.
السيناريو نفسه كاد يتكرّر مع وزارة التربية والتعليم هذه المرة، مع مقترح «الدوام المرن»، فالوزارة أكملتْ مقترحَها الذي تحاولُ من خلاله حلّ مشكلة الزحام المروري الذي تعيشه شوارعنا في كلّ المواسم والفصول والأوقات.
من سوء حظ الوزارة أن الصحافة هذه المرة لم تعد تقنع بدور القابلة التي تتلقى الجنين، بل تمارسُ دورَها في التدقيق والمناقشة وطرح السؤال، خصوصا أنها كلما طرحت سؤالا سمعت جوابا متقلقلا لا ينمّ عن ثقةٍ بالنفس أو صدقيةٍ عاليةٍ في الخطاب.
في البداية سوّقت الوزارةُ مشروعَها على أنه تخفيف للزّحام المروري، ولما قيل لها: لماذا لم يخف الزحام طوال الإجازة الصيفية وثلث الشعب مسافر؟ ردّت: إنه من أجل مسايرة نظم التعليم في الدول الأخرى، ولما قيل: ولماذا لم تبادر أي دولة مجاورة إلى هذا الدوام المر؟ ردّت: بل هو لرفع الكفاءة وزيادة التحصيل المدرسي. فمن ليس له حجّةٌ واضحةٌ ومتفقٌ عليها... يلجأ إلى سلّة من الحجج الواهية.
لسنا ضد التغيير، وكلنا مع الوزارة وغيرها من الوزارات لإيجاد أية حلول ممكنة للزحام الذي يقتلنا كلّ يوم، ولكننا لسنا مع فرض قرارات فوقية على الناس دون مشورتهم حتى على أضيق نطاق (مجالس أولياء الأمور أقلا) أو استخدام الصحافة لتوليد القرارات التي لا تحظى بقبول عام؛ وضد عدم الاكتراث بآراء 138 ألف مواطن، باتخاذ قرارٍ يمسّهم في صميم حياتهم وأدائهم ودراستهم والتأثير على وضع العائلة البحرينية على وجه العموم.
من واجب الوزارة ألاّ تُقدم على قرار بهذه الأهمية من دون الرجوع للمعنيين، طلبة ومدرّسين وهيئات إدارية وتعليمية وأولياء أمور، بما فيهم المواطنون العاملون بالقطاع الخاص بنظام النوبات. فليست القضية مجرّد تأخير موعد الوصول والانصراف من المدرسة، بل يتعدّاه إلى تغيير النظام اليومي من تحصيل دراسي ومذاكرة وغذاء وعلاقات داخل الأسرة.
إذا أرادت الوزارة حلا، فربما تجد حلولا أخرى أقل سلبيات وأكثر إيجابيات، فبعض التربويين اقترحوا فكرة الدوام الشتوي والصيفي، وهو أمرٌ يحتاج إلى دراسة فنية متأنية، ومشاورة المعنيين والاستئناس بآرائهم بدل فرض الحلول المرقّعة عليهم من فوق.
نتمنّى أنْ تفتح الوزارة قلبها لسماع مختلف الآراء، وليس على طريقة أنْ تطلب من المختصين أنْ يتكلموا فقط عن الإيجابيات كما قيل، أو توعز لبعض «أصدقائها» الصحافيين ليبدأوا الرقص حتى قبل أنْ يفهموا الموضوع، فيكتب أحدهم: «إنّ القرار الجديد دليل على التطوّر»! ويكتب آخر: «إنّ صديقي الوزير عمل كذا وكذا...»، فصحّة القرارات وسلامتها لا تحدّدها صداقتكَ للوزير، وإنّما مردودها على مجمل العملية التربوية والنهوض بمستوى التعليم وتجويده بما ينعكس على مخرجات التعليم وتخريج الكفاءات وتقليص البطالة، وهي أمورٌ تهم الجميع.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ