العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ

«الشرق الأوسط» وإشارات هدنة مؤقتة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إشارات كثيرة صدرت في الأسبوع الماضي بشأن الملفات الساخنة في «الشرق الأوسط» أعطت اتجاهات إيجابية تؤسس قواعد عمل لمشروع تسويات مؤقتة في المنطقة. الإشارة الأولى جاءت من طرف «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» التي تستعد لعقد جلسة أخيرة مع إيران قبل أنْ ترفع تقريرها عن المشروع النووي (تخصيب اليورانيوم). فالوكالة تحدّثت بإيجابية عن موقف طهران ووصفته بالمتعاون. وذكرت الوكالة أنّ إيران خففت من سرعة الإنتاج وقلّصت أجهزة الطرد المركزي وأجابت عن الكثير من الأسئلة المتصلة بالمشروع وأبدت استعدادها لإعادة النظر في زوايا أثارت سابقا النقاش.

هذه الإشارة الإيجابية وصفتها إيران بالمهنية ورأت في موقف الوكالة خطوة تشجّع على الاستمرار في التفاوض وصولا إلى تفاهمات واضحة تتعلّق بكل الأمور الغامضة. وفي حال نجحت طهران في استكمال تفاوضها مع الوكالة فإنّ احتمال إعادة الملف إلى فيينا يصبح من الأمور الواردة مقابل أنْ توقف إيران مشروع التخصيب.

الإشارة الثانية جاءت من طرف دول الاتحاد الأوروبي التي توافقت على إعطاء فرصة زمنية لإيران قبل أنْ تتجّه نحو مجلس الأمن واتخاذ خطوة تصعيدية تفرض المزيد من العقوبات. الموقف الأوروبي ترك تأثيره الإيجابي على دول مجلس الأمن إذ توافقت على تأجيل البحث بإمكان إصدار قرار دولي جديد إلى نهاية السنة الجارية. وتأجيل مجلس الأمن قراره الذي كان يعتزم فيه فرض المزيد من العقوبات يعني أنّ الأمم المتحدة وافقت من حيث المبدأ تمديد فترة التفاوض مع طهران لمدة أربعة أشهر إضافية تتوقع من خلالها أنْ تتجاوب إيران مع فكرة «وقف التخصيب» حتى تأخذ المبادرة وتسقط العقوبات وترجع الملف من نيويورك إلى مقر الوكالة في فيينا.

الإشارة الثالثة جاءت من جهة «جيش المهدي» حين أمر زعيمه الشاب مقتدى الصدر بوقف عملياته وأنشطته السياسية والعسكرية لمدة ستة أشهر بذريعة إعطاء فرصة تسمح لقيادته بإعادة هيكلته من جديد بعد اتهامه بارتكاب أخطاء وتجاوزات. وجاءت دعوة الصدر في ضوء اشتباكات كربلاء وتداعياتها السلبية على أهالي المدينة والزوار. ورحبّت حكومة نوري المالكي بالخطوة وتمنت أنْ تكون بداية جديدة في مسار العلاقات مع «جيش المهدي» وربما تشجّع الأطراف الأخرى على الدعوة أيضا لوقف العمليات والمواجهات المسلحة مع قوات الاحتلال. كذلك رحبّت قيادة القوات الأميركية بالمبادرة ووصفتها بأنها تعطي فرصة للاحتلال للتفرّغ نحو ملاحقة «القاعدة» والتركيز على محاصرة أنشطتها.

الإشارة الرابعة جاءت على ذكرها صحيفة «معاريف» التي هاجمت روسيا واتهمتها بمحاولة توتير الهدوء على جبهة الجولان المحتل من خلال تسريب معلومات خاطئة للجانب السوري بشأن احتمال شن «إسرائيل» هجوما على المواقع العسكرية السورية. وذكرت الصحيفة أنّ الاتصالات التي جرت بين الطرفين أوضحت المواقف وأزالت الشكوك وقللت من حدة التوتر وخففت الاستنفار وأدّت إلى سحب تل أبيب بعض قطاعاتها من الجولان إلى النقب مقابل إعادة تجميع القوات السورية ونقلها من الخنادق والمواقع الأمامية.

الإشارة الخامسة جاءت من الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي وصف الموقف السوري بالمتعاون وأكّد أهمية دور دمشق واستعداد باريس للانفتاح والتعاون على أكثر من صعيد في حال أظهرت جاهزيتها للتعامل بإيجابية مع الملف اللبناني وخصوصا احترام قواعد اللعبة الدستورية في عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وانعطف الموقف الفرنسي مع مجموعة خطوات تنسيقية بين لندن وباريس بشأن العراق وباريس وواشنطن بشأن لبنان وفلسطين. وفي حال توضحت لغة الرئيس ساركوزي وتحدد مضمونها السياسي فمعنى الأمر أنّ هناك صيغة يتم ترتيبها إقليميا برعاية دولية تتصل مباشرة بتمديد فترة الهدوء على الجبهة السورية - الإسرائيلية مقابل ضمانات تطلبها دمشق من الجانب اللبناني وتحديدا موضوع «المحكمة الدولية» والإقلاع عن اتهامها بأنها الطرف الذي يقف وراء زعزعة الاستقرار الأمني في لبنان (معارك نهر البارد وما رافقها من تهديدات وتفجيرات). سورية من جانبها لم تتأخر في تسريب رأيها إعلاميا حين مدحت موقف ساركوزي ووصفته بالإيجابي ويمكن «البناء عليه».

الإشارة السادسة طرحها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في خطاب ألقاه في بعلبك بمناسبة ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر. بري أطلق مبادرته بعد طول انتظار وعلى إثر لقاء مطوّل عقده من السفير الأميركي جيفري فيلتمان العائد حديثا من واشنطن. فالرئيس بري أسقط شرط المعارضة (8 آذار) تشكيل حكومة وطنية قبل انتخاب رئيس الجمهورية. واقترح تغليب موعد الرئاسة على خطوة تأليف الحكومة على أنْ يحصل التوافق بين مختلف الأطراف على شخصية الرئيس الجديد وعلى قاعدة نصاب الثلثين. مبادرة بري يرجّح أنْ تلقى تجاوبا مبدئيا من الحكومة وفريق «14 آذار» على أساس المشاورة الوطنية والتوافق على مواصفات رئيس معتدل وغير منحاز. وهذا الأمر يعتبر خطوة إيجابية تنقذ البلد من احتمالات الدخول في فراغ دستوري وفوضى أمنية وتشنجات طائفية ومذهبية تهدد استقرار الكيان ووحدته السياسية.

هدنة مؤقتة

ماذا يعني حاصل مجموع الإشارات الست التي صدرت تباعا وفي أسبوع واحد من طهران وبغداد ودمشق وبيروت وباريس؟

هذه الإشارات لا يمكن عزلها عن ضعف مواقع ومواقف واشنطن التي تنتظر بعد أسبوعين التقرير الميداني المتعلّق بمدى نجاح أو فشل خطة الرئيس جورج بوش الأمنية التي أطلقها في مطلع السنة الجارية وحصل في ضوء موافقة الكونغرس المشروطة على موازنة الحرب. فالمعلومات التي تسربت عن التقرير تشير كلّها إلى فشل الخطة أو على الأقل أنها لم تكن على سوية المراهنات عليها. وهذا الأمر يعني المزيد من الضغط على إدارة تمر في لحظات صعبة وهي مترددة في اتخاذ قرارات حاسمة بعد أنْ تبين لها أنّ القوى التي اعتمدت عليها لاحتلال العراق ليست معها كليا وغير قادرة على استكمال المشروع كما تراه واشنطن من زاويتها.

الإشارات الست تسعف إدارة بوش الضعيفة وتعطي الرئيس فرصة لالتقاط زوايا الصورة والإدعاء أمام الكونغرس أنّ استراتيجيته ليست فاشلة وأنها بدأت تعطي ثمارها السياسية والعسكرية. فهو الآنَ يستطيع القول إنّ إيران مثلا بدأت تتراجع عن مشروع التخصيب. وقوات الصدر أوقفت عملياتها لفترة ستة أشهر، الأمر الذي يخفف عن قوات الاحتلال بعض المهمات والإرباكات. وسورية أبدت استعدادها لتمديد الهدنة في الجولان مقابل وقف الضغوط عليها من لبنان. والمعارضة (8 آذار) تخلّت عن شرطها بشأن تأليف حكومة قبل انتخاب رئيس جديد. وساركوزي تحرّك عراقيا لمنع تدهور الموقف الأميركي في حال قررت بريطانيا سحب قواتها. والوكالة الدولية مدحت خطوات إيران باتجاه تجميد بعض أنشطتها النووية مقابل تأجيل العقوبات الإضافية إلى نهاية السنة الجارية.

كلّ هذه الإشارات جاءت في مجموعها العام لمصلحة بوش الذي تمر إدارته في لحظات ضياع وتفكك وتحتاج فعلا إلى فرصة لإعادة قراءة الملفات الساخنة بعقل بارد وبمنهجية واقعية وربما نقدية. ومثل هذه المكتسبات المعنوية (الوهمية) لابدّ أنْ يدفع ثمنها بوش في المقابل. فهل هو على استعداد للذهاب بعيدا في صيغة تسوية مؤقتة تعطل استراتيجية التقويض (تقطيع أوصال المنطقة) التي مضى عليها خمس سنوات؟ وهل سيطلق مبادرة نوعية في «المؤتمر الدولي» الذي دعا إلى عقده في الخريف المقبل؟

الأجوبة تحتاج إلى وقت لبلورتها. ولكن طرح أسئلة بشأنها يمكن أنْ توضح بعض الزوايا الغامضة. مثلا هل المرونة المتبادلة بين أميركا وإيران وأميركا وسورية مؤقتة أو دائمة؟ وهل أن الإشارات عفوية أو جاءت بناء على توافقات جرت بين واشنطن وطهران في بغداد ودمشق وواشنطن من خلال وسطاء وقنوات؟ حكايات التأجيل والتجميد ليست مصادفة بل تفترض احتمالات كثيرة من نوع تأخير مجلس الأمن فرض المزيد من العقوبات الدولية على إيران مقابل إعلان الصدر وقف عملياته ضد الاحتلال الأميركي لمدة ستة أشهر. فالإشارات تطرح مثل هذه التفسيرات والتأويلات لأنها جاءت مجتمعة ودفعة واحدة وطاولت أكثر من ملف ساخن وقبل موعد صدور «تقرير سبتمبر» بأسبوعين.

فكرة وجود صفقات مؤقتة غير مستبعدة وخصوصا أنّ الأطراف كلّها بحاجة إلى هدنة ترسل خلالها إشارات إيجابية وتظهر عن حسن نواياها واستعدادها للتعامل أو التعاون في قطاعات مختلفة وربما ممتدة سياسيا وجغرافيا. التوقيت موضوعيا جاء لمصلحة رئيس ضعيف يعاني من الضغوط ويحتاج إلى فترة راحة للتفكير. فهل تكون الهدنة المؤقتة تجربة للاختبار وبداية صفقات وتسويات أو أنها مجرد فرصة لكسب الوقت وتقطيع فترة المحاسبة التي يتوقع أن يقوم بها الكونغرس للرئيس؟

ربما يكون الأمر كذلك، وربما أيضا تكون إشارة من إيران وسورية لإدارة واشنطن توضّح بان الطرفين يملكانِ من الإمكانات الميدانية القادرة على مساعدة بوش للخروج من مأزقه وبأقل كلفة ممكنة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً