وسط أجواء ملبدة تنم عن صراعات سياسية داخل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وقبل أسابيع من انعقاد المؤتمر 15 للحزب الشيوعي، أعلنت الحكومة الصينية أن وزير المالية جن رينجينغ استقال من منصبه لأسباب شخصية. وجاء في بيان مقتضب أصدرته الحكومة بهذا المعنى أن جن البالغ من العمر 63 عاما سينقل إلى وظيفة نائب رئيس أحد مراكز الأبحاث التابعة للحزب الشيوعي الحاكم.
البعض استبعد أن تكون وراء الاستقالة أية أسباب اقتصادية نظرا الى الاستتباب الاقتصادي الذي يسود الصين. واعتبر هذا البعض جن رينجينغ ضحية جديدة لحملة التطهير السياسي التي يقودها الرئيس هو جينتاو. وأنها تأتي في نطاق الحملة التي يطلق عليها المكتب السياسي «حملة مكافحة الفساد» التي يشنها المكتب السياسي قبيل أسابيع من انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم. لكن هناك من يرجع أسباب الاستقالة إلى حياة رينجينغ الخاصة التي كانت مثار اهتمام وسائل الإعلام في هونغ كونغ على الأقل، وهذا ما ألمحت إليه صحيفة «مينغ باو» واسعة الانتشار في هونغ كونغ، حين قالت «ان رحيل الوزير قد يكون على علاقة بفضيحة جنسية»، لكن الصحيفة لم تستبعد احتمال ان تكون تمت تنحيته لسوء إدارته سندات مالية للدولة.
وخصصت الصحيفة مساحة واسعة لقضية صديقة مفترضة للوزير تورطت فيها أيضا شخصيتان أخريان هما الأمين العام السابق للحزب الشيوعي في مدينة كينغداو دو شيشانغ والرئيس السابق لمجلس إدارة شركة «سينوبيك» النفطية شين تونغاي، و»سينوبيك» أول شركة تكرير نفط في آسيا. وقد يكون دو أول عشيق لهذه المرأة التي قدمها شين إلى الوزير الأمر الذي نفاه هذا الأخير بحسب الصحيفة.
لكن بعيدا عن القضايا الشخصية، هناك بعض القضايا ذات العلاقة بأداء الاقتصاد الصيني الذي كان لجن رينجينغ علاقة مباشرة به أثناء توليه حقيبة الوزارة المالية خلال السنوات الأربع الماضية، التي فشل الوزير في معالجة بعضها. فهناك ما أشيع بشأن ضريبة التعاملات المالية التي تسببت في اضطرابات شديدة في الأسواق المالية في الربيع الماضي، وشككت في متانة الاقتصاد الصيني. فوقتها كانت بكين تتباهى بأداء اقتصادها، وتتحدى به اقتصادات العالم بما حققته من إنجازات، الأمر الذي وضعها في وضع متقدم من لائحة ترتيب الاقتصادات العالمية، بعد أن أعلنت بكين ان ناتجها القومي الإجمالي اعلى بكثير من التوقعات، وقال التقرير الذي أصدره المكتب الوطني الصيني للإحصاء إن الاقتصاد الصيني نما بمقدار 283 مليار دولار أكثر مما كان متوقعا.
ولم يتوقف الاقتصاد الصيني عن مواصلة نموه المطرد منذ تولي جن منصب وزير المالية قبل سنوات اربع، اذ ارتفعت واردات الضرائب والفائض التجاري، كما تتمتع الصين اليوم بأكبر احتياطي عملة أجنبية في العالم.
لكن ذلك يعني، فيما يعني، انه سيتوجب على الصين التعامل مع النتائج الاقتصادية والسياسية لهذا النمو. بما فيها المخاوف السياسية في المنطقة من هيمنة صينية محتملة. كما تتعرض بكين لضغوط قوية لاجبارها على زيادة قيمة عملتها اليوان، إذ تتهمها عدة دول بينها الولايات المتحدة بتعمد خفض قيمة اليوان من اجل تشجيع الصادرات.
كما تواجه الصناعة الصينية هذه الأيام مأزقا حقيقيا يتمثل في تراجع الثقة الدولية بجودتها، وخصوصا في الأسواق الأميركية، إذ توالت عمليات سحب تلك البضائع بعدما ثبت عدم صلاحيتها أو حتى خطرها المحتمل على المستهلك، وخصوصا منتجات الأطفال وألعابهم وصولا إلى الإطارات وأدوية السعال والأسنان.
ومما لا شك فيه أن هذه الأزمة ستمثل التجربة الأصعب لبكين خلال مسيرتها للتحول إلى قوى اقتصادية عالمية، باعتبار أن الأسواق الخارجية تشكل الشريان الرئيسي للصناعة الصينية، التي تُصدّر سنويا إلى الولايات المتحدة وحدها ما قيمته 288 مليار دولار.
وأبدى الكثير من المستهلكين خشيتهم من وجود مركبات كيماوية سامة في المنتجات الصينية المنتشرة حول العالم، وخصوصا بعدما تعرض الكثير من الحيوانات الأليفة في الولايات المتحدة لعوارض صحية إثر تناولها طعام حيوانات ملوث من إنتاج الصين.
ومع اقتراب المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي في 15 أكتوبر/ تشرين الأول كثفت الحكومة في الأشهر الأخيرة حملتها على الفساد وحثت كوادر الحزب على التزام حياة مثالية لتفادي غضب المواطنين. ويعتبر هذا المؤتمر لقاء بالغ الأهمية وسيتم فيه التجديد لكل من الرئيس هو جينتاو ورئيس وزرائه وين جياباو لولاية جديدة مدتها خمس سنوات.
وسمحت حملة مكافحة الفساد لهو ووين بإقصاء عدد من كبار المسئولين المنافسين لهما مثل ممثلي جناح يطلق على نفسه اسم شنغهاي تابع للرئيس الأسبق جيانغ زيمين.
ويبدو أن الأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة لن تتضح قبل انتهاء أعمال المؤتمر 15 الذي ينتظره الجميع، في الصين وخارجها، لما له من أهمية خاصة في تحديد مسار الصين خلال الأعوام القليلة المقبلة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ