العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ

استحقاقات تنتظر الرئاسة اللبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

استحقاقات لبنانية كثيرة تنتظر الانتخابات الرئاسية التي سيفتح بابها بقوة بعد 25 سبتمبر/ أيلول الجاري. الاستحقاقات اللبنانية لا يمكن فصلها عن المتغيرات الإقليمية واتجاه الفضاءات الدولية (الأميركية تحديدا) في الفترة المقبلة. فما يحصل في المنطقة سيكون له تأثيره المباشر على التوازنات اللبنانية وصورة بلاد الأرز في محيط تعصف بقواه حركة توترات وتجاذبات مذهبية وطائفية ليست بعيدة عن تلك الاستقطابات الإقليمية.

هيئة لبنان (الكيان السياسي والدولة) محكومة إلى حد كبير بتلك الارتدادات التي يتوقع أنْ تحصل بين دول الجوار والولايات المتحدة. فالارتدادات وما تعنيه من إعادة صوغ للتوازنات الديموغرافية (السكانية) والسيكولوجية (تنافر الطوائف والمذاهب) ستلعب دورها السياسي في ترتيب تلك المواقع وترسيم حدودها ميدانيا. مثلا إذا اتجهت المحاورات الأميركية - الإيرانية إلى نوع من التهدئة والتوافق على صيغة معيّنة في بلاد الرافدين فمعنى ذلك إنّ المنطقة متجهة إلى استقرار مؤقت سيكون له دوره الفعّال في اختيار رئيس جديد (وربما مؤقت) للجمهورية اللبنانية. كذلك إذا اتجهت المحاورات الثنائية (واشنطن وطهران) إلى أفق مسدود وتوسّعت دائرة التوتر بين الطرفين فمعنى ذلك إنّ العراق سيواصل انهياره الأهلي (فيديراليات طوائف ومذاهب ومناطق) وهذا بدوره سيترك تأثيرات سوسيولوجية على توازنات الطوائف والمذاهب في لبنان.

على القياس الأميركي - الإيراني في العراق يمكن قراءة تشنجات الساحة اللبنانية في حال اتجهت الاتصالات الأميركية (الإسرائيلية) مع سورية نحو التوافق أو الانقطاع. فالثنائية الأميركية - السورية في لبنان تتوقف في ضوء تفاعلاتها الكثير من الاتجاهات المحلية وعلى رأسها اختيار الرئيس الجديد للجمهورية.

الاستحقاقات اللبنانية إقليمية في جوهرها السياسي وهي محكومة بنيويا بامتدادتها الجوارية ومحيطها الجغرافي. لذلك فإنّ مساحة بلاد الأرز تشكّل ميدانيا تلك الساحة المفتوحة والمكشوفة لقراءة التحوّلات المتوقعة سلما أم عنفا في دائرة «الشرق الأوسط».

حتى الآنَ تبدو اتجاهات التوافق على رئيس لبناني وفاقي غامضة سياسيا ودستوريا. وهذا يعني إقليميا إنّ تلك الاتصالات الأميركية - الإيرانية بشأن العراق أو الاتصالات الأميركية - السورية بشأن لبنان لاتزال تسير في أفق مفتوح على احتمالات متنوعة وغير محسومة.

قراءة الاختلافات اللبنانية على تحديد هوية الرئيس المقبل وبرنامجه وأسلوب اختياره وشروط انتخابه تساعد نسبيا على التقاط خيوط اللعبة الدولية/ الإقليمية في المحيط الجغرافي الذي تتحرّك في ضوء توازناته القوى المحلية الموزعة الآنَ على دائرتين (8 و14 آذار).

هناك خلافات كثيرة بين الطرفين وهي تتراوح بين نزعات مذهبية وطائفية وأغلفة سياسية وقومية وعروبية ولبنانية وإسلامية. ولكن التشنجات المذكورة لا تعلن بوضوح وإنما يعاد تشكيلها وفق صيغ تأخذ تلك الأبعاد الدستورية. فالخلافات على قراءة مواد الدستور، ومحاولات تفسيره وتأويله ليخدم توجهات هذا الطرف أو ذاك تعكس في آلياتها الداخلية تلك التوترات المذهبية والطائفية المحكومة بطبيعة المنطقة الديموغرافية والاستقطابات الدولية والإقليمية التي تتدافع ميدانيا لرسم صورة «الشرق الأوسط» الجديد.

الخلاف الدستوري في لبنان الآنَ يعكس تلك التعديلات التي طرأت على البنية الديموغرافية (السّكانية) لتوازنات الطوائف. فالرئيس ماروني بحسب تقاليد الدستور اللبناني ولكن اختياره لهذا المنصب السياسي الأوّل في هرمية الدولة تشارك فيه الكثير من العناصر المحلية والعوامل الدولية والإقليمية. محليا هناك الشريك المسلم في تحديد هوية الرئيس. والطامح لهذا الموقع عليه أنْ يختار بين الطائفة الشيعية وامتدادتها الجغرافية والإقليمية وبين الطائفة السنية وامتدادتها الجوارية والعربية.

ترسيم حدود الطوائف

هذا الترسيم المحلي لمواقع نفوذ الطوائف اللبنانية ودورها في تحديد هوية الرئيس المقبل يساعد مثلا على فهم تحالف الجنرال ميشال عون مع حزب الله في إطار مجموعة «8 آذار». والجنرال بحكم اندفاعه نحو هدفه الرئاسي لا يحترم كثيرا مصالح حليفه وتلك الحساسيات المذهبية التي قد تؤجّج الشارع المسلم وتدفعه نحو مزيد من التوتر السياسي بسبب مبالغته في التهجّم على الرموز والشخصيات السنية واتهامه لها بلعب دور تقليدي في «تهميش المسيحيين».

الأمر نفسه نجده عند بعض الطامحين من موارنة «14 آذار». فهذا البعض لا يتردد في تخويف المسيحيين من طغيان حزب الله ودوره الميداني في تعديل التوازنات اللبنانية لمصلحة فريق إقليمي وطموحات إيرانية. وكلّ هذا التشنج السياسي (المذهبي والطائفي) يتم تقديمه للقوى اللبنانية والإقليمية وفق تصوّرات دستورية وتأويلات قانونية لهذه المادة أو تلك.

مثلا يتركّز الخلاف الآنَ على تفسير مقاصد المادة 49 من الدستور وماذا تعنيه عدديا نسبة حضور النواب لاختيار الرئيس الجديد. فريق «8 آذار» يصرّ على نصاب الثلثين (85 نائبا) لتكون الجلسة دستورية وشرعية. وفريق «14 آذار» لا يصرّ على نصاب الثلثين في حال فشل المجلس في جمع هذا الكم من النواب في جلساته المفتوحة إلى الموعد النهائي لانتخاب الرئيس أي قبل عشرة أيام من 25 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

فريق «8 آذار» يقترح تأجيل جلسة انتخاب الرئيس وتأليف حكومة اتحادية (انتقالية) تكون مهمتها إجراء انتخابات نيابية مبكّرة تمهد الطريق لإعادة جمع الثلثين لاختيار رئيس جديد للبلاد. فريق «14 آذار» يرفض التأجيل ويرى في هذه الخطوة قفزة نحو الفراغ الرئاسي وربما تشكل إشارة سلبية تدفع بالبلد نحو مجهول سياسي لذلك يقترح أنْ تعقد الجلسة بمَنْ حضر شرط أنْ تتوافر نسبة النصف زائد واحد؛ أي بغالبية 65 من أصل 128 نائبا.

هذا الانقسام الدستوري ليس دستوريا في جوهره السياسي وما تعنيه السياسة في لبنان من رؤى طائفية ومذهبية ممتدة جواريا وإقليميا. المسألة إذا خطيرة في حال استمر الاختلاف على قراءة المواد الدستورية بأسلوب كيفي لاصلة له بالقانون وما تعنيه المادة 49 وغيرها من مواد. فلبنان مهدد بالانقسام (الثنائية الطائفية) أو بالتشرذم (ثنائيات مذهبية) أو الذهاب سياسيا نحو فراغ رئاسي يبرر دستوريا للقوى الفاعلة ميدانيا على الأرض بتأسيس كانتونات (كيانات محلية) يديرها زعماء الطوائف والمذاهب أو أمراء حرب.

الفراغ الدستوري في حال توصلت إليه القوى اللبنانية من 25 الشهر الجاري إلى 25 نوفمبر يعني زعزعة استقرار بلاد الأرز ودفعها نحو هاوية التشرذم السياسي (الطائفي المذهبي) كما هو حال بلاد الرافدين الآنَ.

«العرقنة» تعتبر واحدة من الحلول المطروحة موضوعيا. وهذا ليس خيارا دستوريا بقدر ما هو يعكس واقعيا تلك التجاذبات الأهلية التي تعصف بالعراق وما تعنيه من استقطابات إقليمية وتدخلات دولية وجوارية لتقرير هوية جديدة لما يسمى «الشرق الأوسط».

لبنان جزء لا يتجزأ من هذا المحيط الجغرافي السياسي المعطوف على تضاريس طائفية ومذهبية. وبحكم موقع لبنان وتركيبته السوسيولوجية وآليات إنتاج السياسة فيه يمكن أنْ نفهم الكثير من المتغيرات في المنطقة سواء اتجهت المحاورات الأميركية - الإيرانية عن العراق والمحاورات الأميركية - السورية عن لبنان نحو التوافق أو التصعيد أو المراوحة في المكان. فما يحصل في المنطقة سلما أم حربا أم تجميد مواقع سيكون له تأثيره المباشر على التوازنات اللبنانية وهيئة الدولة وصورة الكيان السياسي. فالاستحقاقات اللبنانية تشكّل في النهاية تلك المرآة التي تعكس المتغيرات الإقليمية وطبيعة توافقها أو تنافرها مع تحوّلات دولية (أميركية تحديدا) يرجّح أنْ تظهر بعض معالمها في الأسابيع المقبلة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً