العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ

موسيقيون مستقلون يأتوننا من «أرض الموت»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

الفنان والمبدع البحريني محمد جواد ابن قرية المعامير، والذي أشجى الجمهور وهو يروي آلام أبناء قريتها التي تتعرض للإبادة الجماعية بفضل التلوث وصمت الدولة والحكومة عن نكبتها البيئية حينما قال على منبر «وعد» في ندوة «التلوث البيئي في البحرين»: «إنني أنتمي وأعيش في قرية بحرينية ينفق فيها البشر كما ينفق السمك في خليج توبلي، ونحن نعاني من نفوق البشر في قريتنا وليس فقط نفوق الأسماك كما يحصل في خليج توبلي!»، قدم أيضا على المنصة «الوعدية» ذاتها عرضا موسيقيا راقيا ومبدعا، بمشاركة فرقته «موسيقيون مستقلون» التي أسسها وهي فرقة عائلية تتكون من عدد من أبنائه وأقاربه، وقد تناول في العرض ضمن قوالبَ فنية أصيلة وجادة قضايا الوطن العربي الكبير وهمومه من فلسطين وجنوب لبنان والعراق فالهموم والقضايا المحلية المرتبطة بهوية البلد وذاكرته وأحوال المواطنين!

والمستمع لأول وهلة لعزف فرقة «موسيقيون مستقلون» وأداء قائدها الفنان البحريني محمد جواد - الذي يشبه كثيرا المناضل الفلسطيني إسماعيل هنية - ليتحسس أصداء الفنان اللبناني مارسيل خليفة والفنان اللبناني أحمد قعبور في نموذج بحريني صاعد جاء ليحاكي هموم أمته ووطنه الكبير، وينقش بالأوتار شجرا أخضرَ كلون الأمل في كبد الهموم والأزمات البحرينية، بل تجلى إبداع هذه الفرقة بصورة أكثر بروزا في أغنيتها «المعامير... أرض الموت» وأغنية أخرى عن «المملكة الفاضلة»، فأفراد هذه الفرقة البحرينية الواعدة لا أبالغ إن قلت إنهم بفنهم الراقي والأصيل قد يكونون من بين خير السفراء لقرية «المعامير» أو أرض الموت ليعبّروا عن أزمات وهموم أبنائها وقاطنيها الذين ليس لهم من مطلب سوى البقاء على قيد الحياة، والعيش بسلام واطمئنان بعيدا عن آلام الالتهابات النفسية والتقرحات الجلدية والأمراض السرطانية الفتاكة التي تقضي على أبناء القرية بشكل وبائي وأكثر ضحاياها من الشباب.

فهل مطالب أهل المعامير بالبقاء على قيد الحياة سالمين ومعافين وسط الفقر المعيشي هي مطالب مستحيلة وتشكل عبئا مكروها للحكومة التي مازالت تغض الطرف عن هذه المنطقة المنكوبة بيئيا وعن مسلسل الإبادة والنفوق البشري فيها؟ هل كبار المسئولين في الدولة على استعداد لزيارة هذه القرية والاطلاع على أحوال أهلها ولو لساعة واحدة بدلا من التزام الصمت الذي قد يفسر تواطئا وتجاهلا لإنسانية أهالي المعامير؟ وإذا ما تم إنكار علاقة التلوث البيئي بالوفيات والتشوهات والعاهات والسرطانات المنتشرة في المعامير، بغض النظر عن المقاصد والنوايا، فهل يعقل أن تضم بقعة من دون سواها كل هذا القدر من المرض والتشوه والألم والموت المتسلسل بأعراض شبيهة؟ هل توجد هناك أصلا أرض للموت أم هو قدر «المعامير» وقدر أبنائها وهو القدر البيئي المشترك الذي قد يكون ذا قابلية للتصدير إلى مناطقَ عدة من أراضي البلاد إذا ما غاب الالتزام بالمعايير البيئية المتعارف عليها وغاب التخطيط السليم، وقبل ذلك تغيب الشفافية فيصبح الإنسان في حيرة من أمره أمام مرأى شبيه بدولة تكره أبناءها (والعياذ بالله)؟

ترى هل ستستمع آذان المسئولين في الأبراج العاجية والفولاذية إلى شفافية وصراحة الموسيقى الشجية العذبة التي يعزفها «الموسيقيون المستقلون» الآتون من أرض الموت أو المعامير، والتي تحكي وتحرك ألحانها وإيقاعاتها بانسجام مراكب الهموم البحرينية الوطنية التي ما وجدت لها من شاطئ ومرسى عام لتستقر فيه بعيدا عن أهوال العواصف والأمواج، وإن كان المسئولين يتعوذون من «السياسيين» ووجعهم وصداعهم وعلى استعداد لتحميلهم شتى أسباب الإخفاق والتنصل من مسئولياتها على شماعة أكتافهم، فنعمة الموسيقى هي أرقى أداة للتواصل الحضاري بين مختلف الشعوب والثقافات على مر العصور على حين أن السياسة قد لا تكون في كنهها كذلك وخصوصا في بلادنا أم أن كل من يطالب بحقه في الحياة الآمنة السليمة والحياة العزيزة الكريمة إنما هو «سياسي» مراوغ «يسيس» جميع الأمور ببراعة من دون أن يدري بخبايا موهبته المرعبة تلك؟

أرى أن واجب منظمات المجتمع المدني الحريصة على تقدم ونمو هذا المجتمع المستقل قوة فاعلة ومحركة ومتناظرة جدليا مع الدولة أن تحتضن تجربة «موسيقيون مستقلون» وتدعمها وتنهض بها وتصقل إبداعاتها عسى أن تكون خير سفير فني لشعب البحرين ولـ «أرض الموت/ المعامير» المنكوبة بيئيا؛ ما قد يساهم في تقوية أجنحتهم ويعطيهم دفعا معنويا وماديا أرقى للقدرة على التحليق وبلوغ شتى الآفاق ولو كان هذا التحليق نسبيا ومحكوما بالسقوف، وذلك بدلا من أن يكونوا بحاجة إلى من يجلس في أبراجه بالأعالي، ويشترط عليهم أن «يقلقص» أجنحتهم الموسيقية تلك أو يستبدلها لهم بأخرى مصنوعة من «البلاستيك» أو «الخشب» ويجبرهم بالتالي على طيران وتحليق زائف يناقض الواقع والحقيقة، هذا إن لم يعتبرهم ساسة دهاة يقوموا بـ «تسييس» الفن الذي يجب أن يقتصر فقط على «الهز» أو الصباغة والتلميع والصقل والتملق والتوثين... إلخ؟

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً