ظاهرة البث الحصري التي أصبحت حقيقة واقعة بين القنوات التلفزيونية، وخصوصا الفضائية التي تشهد الآن تنافسا ملحوظا على مسلسلات شهر رمضان المبارك مع اقتراب حلوله منتصف الشهر المقبل.
ولا شك في أن لهذه الظاهرة تداعيات وآثارا كثيرة على صناعة الدراما المصرية بكل عناصرها بدءا من مؤلف العمل، ومرورا بالنجوم والمخرجين والمنتجين، فما هي آثار عمليات البث الحصري المترتبة على الدراما المصرية في الفترة الحالية؟ هذا ما سنتعرف إليه من خلال التحقيق الآتي:
يرى المؤلف أسامة أنور عكاشة - الذي قدم الكثير من الأعمال المتميزة - أن الدراما المصرية دخلت سوق التجارة التي أصبحت تحرك عناصر اللعبة الدرامية هذه الأيام، فلم يعد هناك شيء اسمه موضوع جيد أو دور جيد لممثل جيد أو مخرج جيد ومؤلف جيد، بل أصبحت القناة الفضائية أو المحطة الفلانية تشتري العمل حصريا، والموضوع من بابه ثم نفصل لهذا العمل النجم الفلاني أو النجمة الفلانية، بحسب سعر النجوم.
وبالتالي تدفع مبالغ عالية للمنتج الذي سيقوم بتنفيذ هذه الشروط التي وضعتها القناة، وأصبح الجميع يعملون لحساب هذه المحطة أو تلك، وأصبحت الساعة تقاس بكذا، وأصبح المهم التركيز على النجوم للمساعدة على جذب الإعلانات للمحطة، ولم يعد للنص أو الممثل أو المخرج أي قيمة.
ويشير عكاشة إلى ضرورة أن يعود اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري إلى سابق عهده وعصره الذهبي في استقطاب عناصر الإنتاج الدرامي إلى الجيد والحقيقي، وهما المؤلف والمخرج وبهذه الطريقة تكون الدراما هي الهدف، ويستطيع اتحاد الإذاعة والتلفزيون وقتها أن ينافس ويسحب البساط من محطات وقنوات الحصر.
ويضيف عكاشة قائلا: «إن الدور الريادي لتنفيذ هذه المسألة هو مسئولية اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري؛ لأن لديه خبرة عريضة في إنتاج روائع الأعمال على مدى السنوات الماضية التي زخرت بأعمال عدة ومميزة من إنتاجه، على حين مدينة الإنتاج الإعلامي طبعا مشغولة بالبيع الحصري، أما الدراما التي أنتجها اتحاد الإذاعة والتلفزيون فهي أكبر دليل على صدق كلامي، إذ شاهدت الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج الأعمال خالدة مثل (ليالي الحلمية)، و(رأفت الهجان)، و(ضمير أبلة حكمت)، و(الطريق إلى إيلات) وغيرها الكثير من الأعمال المتميزة، التي صنعت الريادة المصرية في الدراما».
وواصل قوله: «أما إذا اشتغل اتحاد الإذاعة والتلفزيون بمنطق السوق التجارية، فسيكون نسخة من قنوات البث الحصري التي لا تهدف إلى تقديم فن درامي جميل، ولكنها تسعى إلى الربح والتجارة فقط من خلال اختيار النجم الذي يجلب الإعلانات، فتصبح العملية تجارية بحتة، وهو ما يتعارض مع تقديم فن يثري الشاشات المصرية والعربية».
ويستطرد عكاشة قائلا: «يجب أن يأخذ اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري باعتباره وأولوياته للنهوض بالدراما المصرية أسسا وقواعدَ تتمثل في جودة النص ثم بعد ذلك النجوم؛ لأنهم سيلهثون وراء العمل الجيد. واتحاد الإذاعة والتلفزيون عندما يقدم عملا دراميا جيدا يكون له السبق في إعادة اكتشاف المواهب الشابة التي اكتشفها سابقا من خلال دراما التلفزيون مثل هشام سليم وشريف منير وممدوح عبدالعليم وحنان شوقي وغيرهم من الوجوه التي كانت جديدة ورسخت نجوميتها وحصلت على شهرتها من خلال هذه الأعمال الجيدة».
من جهتها، أكدت الفنانة سميرة أحمد أن البث الحصري بقناة معينة لا يفيد الفنان أو الجمهور، ومن المفترض أن يشاهد المشاهد العربي العمل الفني في أكثر من محطة، والنجم أو النجمة وحدهما لا يكفيان لنجاح العمل، ولكن الأمر ينتج من فريق العمل بدءا من المؤلف والمخرج ومدير التصوير والإضاءة أو كل نجوم العمل من الممثلين والعاملين أيضا.
وتشير سميرة إلى أنها تحرص في كل أعمالها على ذلك فلابد أن «أختار النص الجيد والمخرج وفريق العمل المتميز حتى يظهر العمل إلى النور في أبهى وأحلى صورة، وأحاول في كل مسلسل أن ألعب دورا فيه أقدم وجوها جديدة؛ لأننا نحتاج دوما إلى هذه الوجوه التي تثري العمل الفني والدرامي».
وتؤكد سميرة أن «البث الحصري لا يناسبنا؛ لأنه في المقام الأول والأخير يبحث عن التجارة، أما نحن فنبحث عن القيمة الفنية الجميلة والنبيلة، فالبث الحصري يبني العمل على نجم أو نجمة فقط، وهذا ليس في صالح العمل الفني».
أما المؤلف السيناريست والمخرج مدحت السباعي فقال: «إن البث الحصري يعتبر نفسه في مقام (أفلام المقاولات) التي أفسدت السينما المصرية لسنوات عدة مضت، وهو مصطلح جديد جاء عوضا عن أفلام المقاولات، وهو أيضا عبارة عن مقاولة فنية، فالمنتج المنفذ يطلب رقما معينا من المال مقابل تقديم عمل بصرف النظر عما يحتويه هذا العمل من قيمة فنية، فبيع الفيديو بالساعة الزمنية لا بالقيمة الفنية».
وكما هو في أية «مقاولة فنية» تابع قوله: «يفكر المنتج في تحقيق أفضل عائد من الربح، فالمقاولة التي تقاضى عنها 4 ملايين جنيه مثلا، لابد أن ينفذها بـ3 ملايين جنيه ليضع في جيبه مليونا خلال فترة زمنية هي ثلاثة أشهر، وهي فترة تصوير المسلسل، وهذه الفترة الزمنية مقابل مليون جنيه تعطي ربحا أفضل من الاتجار بأي سلع أخرى».
ويختم السباعي بالقول: «إذا أردنا أن نرفع من شأن الدراما والفن التلفزيوني، يجب بداية عدم التعامل مع بيع العمل بالشوال أو الدقيقة أو الساعة، بل تباع قيمتها الفنية العالية، وقتها سيضطر المقاول أو المنتج المنفذ، أن يقدم بضاعته من الصنف الجيد، وإلا فسيخسر تماما ويصبح ما يقدمه المنتج مثل القناة الحصرية، التي تقيس بالمكيال لا بالقيمة الفنية».
العدد 1821 - الجمعة 31 أغسطس 2007م الموافق 17 شعبان 1428هـ