آخر الأخبار العاجلة هو «توقف آخر المخابز في غزة عن العمل وأطفال القطاع يتظاهرون ضد الحصار»! خبرٌ يرفع رؤوس العرب والمسلمين، وخصوصا دول «الطوق» العربي... أليس كذلك؟
قبل أسبوع واحد فقط، ذهب العرب إلى واشنطن دعاة للحوار بين الأديان، يعرضون بضاعة سلامهم الكاسدة على «إسرائيل»، التي كانت تمنع عن أطفال غزة الحليب، وعن مرضاهم الدواء، وعن مليون ونصف إنسان الطاقة والغذاء. حتى الأمم المتحدة الجامدة الهامدة نطقت... وطالبت برفع الحصار.
الأجانب الذين لا يدينون بديننا، ولا يتكلّمون لغتنا، نظّموا حملات إغاثة، وركبوا البحر في قوارب متوسطة، وجازفوا بأرواحهم، من أجل هدف واحد معلن على رؤوس الأشهاد: «إسقاط الحصار الظالم». أما نحن فكنا نتفاخر بالتزامنا الشامل والدائم بالمعاهدات الدولية، فـ «الراجِل عند كلمته»، حتّى هدّد وزير خارجية عربيّ بكسر أرجل الفلسطينيين إذا تجاوزوا الحدود، وليس بكسر الحصار!
الأجانب أرسلوا عدة سفن لكسر الحصار، وآخرها سفينة «الكرامة» التي شارك فيها 12 نائبا أوروبيا، ووزيرة بريطانية سابقة وصحافيون. وقبلها بأسبوع أرسلوا سفينة «الأمل» التي ضمّت العشرات من أكثر من 15 جنسية. أمّا حين حاول بعض المصريين الأحرار إرسال قافلةٍ للمشاركة في كسر الحصار، عاد الوزير ليهدّدهم بكسر أرجلهم وأيديهم من خلاف... «فاكرين هي البلد هونطه»!
أهل غزة ينتظرون وصول سفن أخرى، وسيتعاونون مع كل الجهات المناهضة للحصار في الداخل والخارج، فالذين جاؤوا على متن سفينة «الكرامة» أرادوا تدشين ممر بحري بين غزة وقبرص لفرض أمر واقع جديد. هذا بينما نقلت الأنباء أمس (الخميس) عن جمعية أصحاب المخابز الفلسطينية، أن المخابز كافة ستتوقف عن العمل كليا خلال يومين، بسبب نفاد الدقيق والوقود وانقطاع الكهرباء. أي أن مليون ونصف مليون فلسطيني لن يجدوا الرغيف صباح غدٍ السبت، بينما نحن نعرض السلام والتطبيع الجماعي على «إسرائيل» مجانا ودون مقابل.
مع ذلك، الوضع العربي ليس قاتما على الآخر، وما يجري من تفريطٍ بحقوق الأمّة وتلاعبٍ بتاريخها واستهتارٍ بكرامتها، تقابله انتفاضات صغيرة هنا وهناك، تعبّر عن رفض سياسات الانتحار الجماعي على أيدي الأنظمة العربية. فبعد أن منعت القافلة المصرية من الوصول إلى غزة، انتفض القضاء المصري بإصدار حكم ضد قرار الحكومة السماح بتصدير الغاز الطبيعي للعدو الصهيوني الملطخة أيديه بدماء المصريين. وكشف المحامون أن «إسرائيل» تشتري الغاز المصري بأسعار أقل من السعر الدولي، ورفضت الحكومة المصرية الكشف عن السعر الحقيقي (ويقال أنه أقلّ بستةِ أضعاف)! بل إن ناطقا باسمها أعلن أن الحكم لا يلزمها، وأنها ستستأنف الحكم!
المرشد العام للإخوان محمد مهدي عاكف، اتهم أمس بلاده (مصر) بأنها «المسئولة الرئيسية عن استمرار حصار غزة، وهو ما يرسّخ في ذهن المواطن العربي أن حكومات بلاده وجيوشها وقواتها الأمنية تساهم بإحكام الحصار وتشارك في قتل الفلسطينيين».
على الضفة الأخرى من القناة، أعلنت الشقيقة «إسرائيل» أنها «واثقةٌ من أن اتفاق الغاز سيظل ساريا»، فلا يجوز طبعا إدخال الاقتصاد بالسياسة، ولا الثقافة أو السيكولوجيا بالسياسة... فكيف تريدون إدخال الغاز في السياسة؟ ما يصحّش يا جماعة!
العرب ذهبوا إلى مؤتمر «أنابوليس» وعادوا بخفّي حنين، وذهبوا إلى مؤتمر نيويورك لحوار الأديان ولم يقدموا طلبا أو حتى «التماسا» برفع الحصار عن غزة التي كانت تغرق في الظلام!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2268 - الخميس 20 نوفمبر 2008م الموافق 21 ذي القعدة 1429هـ