العدد 2268 - الخميس 20 نوفمبر 2008م الموافق 21 ذي القعدة 1429هـ

الحل بين يدي بكين؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وسط توقعات متشائمة تسود العالم الغربي جراء الأزمة الاقتصادية المحدقة بالعالم، والتي بدأت تنتشر عالميا بسرعة فاقت كل التصورات، حتى لامست شواطئ بعيدة مثل اليابان في آسيا، وآيسلندا بأوروبا، يتطلع العالم اليوم نحو الصين حيث يأمل البعض أن يكون بين يديها ما يمكن أن تقدمه كي تنقذ العالم من أزمته وتنتشله من كارثة مازالت ذيولها غير محددة وآفاقها غير معروفة.

تعزز هذا الأمل مجموعة من الأوراق الاستراتيجية التي تمتللكها بكين، الأولى أنها تحتل اليوم مركز الصدارة بين الدائنين للولايات المتحدة، متجاوزة بذلك اليابان التي كانت تحتل المرتبة الأولى وتضع بريطانيا في المرتبة الثالثة، إذ تبلغ قيمة السندات الصينية من إصدرات الحكومة الأميركية ما يقرب من 585 مليار دولار، في حين تراجعت حصة بريطانيا إلى 338 مليار دولار.

الورقة الثانية التي مازالت تحتفظ بها الصين، هي السيولة النقدية، التي باتت أهم عقبة أمام أية محاولة لانتشال الاقتصاد العالمي؛ فانعدام الثقة بين المؤسسات المالية العملاقة دفع كلا منها للتحفظ على السيولة التي بحوزته تحسبا للطوارئ من جهة، وخشية من تحولها إلى ديون ميتة في حال إقراضها لمؤسسات أخرى، بغض النظر عن السمعة المالية الحسنة التي تتمتع بها من جهة ثانية. وتمتلك الصين اليوم احتياطات من العملات الصعبة، تتجاوز تريلوني دولار.

الورقة الثالثة هي كون الصين أقل المتضررين من هذه الأزمة، ومن ثم فإن تأثيرات تلك، مهما بلغت شدتها، على الاقتصاد الصيني ستكون محدودة للغاية وقابلة للسيطرة، فمن جهة مازالت الصين، غير مرتبطة كثيرا مع حركة الاقتصاد العالمية، ومن جهة ثانية أولت الصين، أسواقها الداخلية، وهي ضخمة حتى بالمعيار الدولي، أهمية خاصة، الأمر الذي يمدها بطاقة تعينها على التحكم في استقرار تلك الأسواق وقنوات تشبيكها مع الأسواق العالمية. وهذا ما يؤكده الخبراء بالأدلة، ويؤكد الخبير في المعهد الصيني للسياسات المالية جانغ بينغ في مقابلة مع «الجزيرة نت»، أن سبب صمود الاقتصاد الصيني يعود في الأساس إلى كون «النظام المالي الصيني شبه معزول عن النظام المالي الدولي وتعقيداته».

الورقة الرابعة، هي أن نسبة الأموال الصينية المستثمرة في الخارج تتجاوز بقليل 2 في المئة من قيمة الأصول الثابتة للبنوك الصينية وتخضع لإشراف الدولة. هذا يعني أن تأثيرات الأزمة لن تتجاوز 2 في المئة من قيمة الاستثمارات الخارجية، وليس الاستثمارات الصينية ككل، وهي نسبة ضئيلة إذا قارناها بنسب أصابت الاستثمارات الخارجية لبلدان كثيرة من بينها الدول العربية.

الورقة الخامسة، هي الاحتياطات التي بادرت الحكومة الصينية إلى اتخاذها درءا لأي انعكاس سلبي غير متوقع، ولذلك شاهدنا الحكومة الصينية تسارع لاتخاذ بعض الإجراءات الوقائية من بينها «خفض نسبة الفوائد البنكية».

كل ذلك يعكس حالة صحية يتمتع بها الاقتصاد الصيني القائم، وأحد مظاهر الحالة الصحية تلك هو معدلات النمو التي ناهزت 10.5 في المئة وعلى الـ11 سنة الممتدة بين 1995 - 2006، والناجمة عن قدرة تصديرية متزايدة وضعت الصين في المركز الرابع عالميا، من جهة وساعدتها على مراكمة فائض مالي سنوي بلغ في العام 2005 فقط نحو 177 مليار دولار.

كل ذلك التوجه يعكس المفهوم الذي دخلت به الصين السوق العالمية في مطلع القرن الواحد والعشرين، عندما طرحت نموذجا يتمثل فى محاولة تحقيق تنمية متوازنة بين الانسان والمجتمع وبين المدن والارياف وبين شرق الصين وغربها والانسجام بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية. هذا المفهوم هو الذي دعا إليه المؤتمر الوطنى السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني عندما تبنى هدف تحقيق مجتمع الرفاهية بصورة شاملة بحلول العام 2020.

هذا لا ينفي معاناة الصين، شأنها شأن العديد من الدول النامية الأخرى من بعض المشكلات الاقتصادية التي بحاجة إلى معالجة من بينها ذلك التفاوت الحاد بين الأرياف والمدن، نظرا إلى المساحات الريفية الصينية الشاسعة التي لاتزال بحاجة إلى المزيد من العناية كي ترقى إلى ما تنعم به المدن من خدمات صحية وتعليمية.

السؤال الطبيعي، هو أنه في حال طلب العالم من الصين المساعدة، ووافقت بكين على ذلك فما هو الثمن الذي ستتقدم به الصين؟ وهل سيقبل به العالم؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2268 - الخميس 20 نوفمبر 2008م الموافق 21 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً