العدد 1819 - الأربعاء 29 أغسطس 2007م الموافق 15 شعبان 1428هـ

الدوام المرن ومناورات «التربية»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

التصريح الصادر عن وزير التربية أمس الأوّل، حمل نصفه تطمينا للرأي العام القلق من اقتراح فرض «الدوام المرن»، ونصفه الآخر حمل تلميحا إلى أنه سيطبّق بعد التدارس مع ديوان الخدمة المدنية، أمّا مَنْ سيطبّق عليه النظام فلا يعني الوزير ومستشاريه في شيء.

اليوم نتكلّم عن 126 ألف طالب وطالبة، وهيئة تعليمية في حدود 12 ألف مدرّس ومدرّسة (20 بالمئة من سكّان البحرين)، كلّهم سيؤثر القرار على أدائهم وعملهم وحياتهم اليومية والاجتماعية، ومع ذلك فإنّ هذه الكتلة البشرية الضخمة (138 ألفا) لا تعتبرهم الوزارة رقما يذكر في حساباتها!

في الأيام الأخيرة حاول بعض مسئولي الوزارة الترويج للفكرة وتجميلها وتسويقها، ولكن كان دفاعهم ضعيفا وغير مقنع، وفي المقابل سمعنا الكثير من الانتقادات والاعتراضات من مختلف الجهات: الطلاب وأولياء الأمور والمدرّسين، وإذا كانت الوزارة تبحث عن الحكمة والصواب، فعليها الرجوع إلى رأي الناس المعنيين، وألاّ تتخبّط في فرض قراراتها عبر دراسات طُبخت على عجل، يقرّرها أفراد معدودون من منتسبي الوزارة ليفرضوها كأمر واقع على الناس باسم مصلحة الطالب وجودة التعليم وغيرها من مغالطات.

من المؤكّد أنّ أصحاب الاقتراح من مسئولي الوزارة، لن يتأثروا إطلاقا به، بسبب إمكاناتهم المادية وظروف عملهم، أمّا عامّة المواطنين فهم من سيسدد الفاتورة، معاناة ومشاكل يومية، وفي مقدمتهم المدرّسون، كآباء وأولياء أمور، يعانون من الزحام اليومي كغيرهم، وأغلبهم لديه التزامات بتوصيل الأولاد من المدرسة وإليها.

طرح الموضوع وما جرى من نقاش عام على صفحات الجرائد كشف لنا جوانبَ أخرى، من المؤكّد أنها لم تخطر على بال أصحاب الاقتراح، وهو توفير وجبة إضافية والإمكانات المادية للأسر. فنحن نعلم أنّ 30 بالمئة من الأسر البحرينية تحت خط الفقر، ومن المؤسف القول أنّ في مدارسنا اليوم ما بين 7 إلى 10 بالمئة من الطلاب ممن يتلقون مساعدة «غذائية». وإطالة الدوام المدرسي يفرض التزامات إضافية باهظة، ليس على هذه الأسر الفقيرة فحسب، بل على ما نسبته 20 إلى 25 بالمئة من طلاب الأسر الأخرى الأعلى دخلا بقليل، فهؤلاء توفّر لهم إمكانات أسرهم «حالة مستورة»، سواء بشراء وجبة الطعام من مقصف المدرسة، أو باصطحاب ما تيسّر من المنزل... والقرار المذكور سيكشف هذه الشريحة «المستورة» ويرفع عنها الغطاء. فنحن لسنا أمام اقتراح ناقص ومتسرّع وضار بربع سكّان البحرين فحسب، بل إنه سيكشف عن جانب موجع آخر من معاناتنا كمجتمع يزحف عليه الفقر، وتتقلص فيه الطبقة الوسطى، ويزداد المترفون ترفا وغنى واستئثارا بالأموال.

وللانتصار لاقتراحهم غير المدروس جيدا، يلجأ بعض مسئولي الوزارة إلى الإشارة إلى تجربة بعض المدارس الخاصة، وينسون أنّ زبائنها لا يعانون غالبا من مشكلة في توفير سندويشة يومية وعلبة عصير لأبنائهم كما هو الحال مع ربع أسر المدارس الحكومية.

الوزارة حاولت الاستنجاد ببعض الكتّاب والصحف، الذين تطوّعوا للدفاع عن النظام المرن من دون أنْ يفكّروا بنتائجه ومآلاته وتبعاته، وهي طريقة عقيمة، قد تنجح في «بلع» الاقتراح ولكنها ستخلق الكثير من المعاناة الاجتماعية لآلاف الأسر، وهي حتما لن توفر جودة تعليمية، ولا بيئة لإكمال الواجبات المدرسية كما زعمُوا، وستكتشفون سريعا أنّ الوزارة التي حاولت حلّ مشكلة غيرها من الوزارات، (المرور) ستتعثر في شبكة من المشاكل التي سيذهب ضحيتها الطالب والمدرّس وأولياء الأمور والعلاقات الأسرية.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1819 - الأربعاء 29 أغسطس 2007م الموافق 15 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً