الشأن الحقوقي للبشر، شأن عالمي وليس شأنا محليا خاصا، واللورد إيريك إيفبوري الذي يرعى ويدير الندوة السنوية في مجلس اللوردات البريطاني، نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس اللوردات البريطاني. ولو كان الترتيب لعقد ندوة من أجل توصيل وجهة نظر طرف من المعارضة، يعتبر تدخلا خارجيا في الشئون الداخلية للبحرين، فإن ذلك ينطبق على جهات أخرى قريبة للقرار الرسمي مازالت تصرف المال من أجل تحسين صورتها في الخارج، وأطراف أخرى افتتحت لها مقار في العاصمة لندن من جمعيات الغونغو، وبعض هؤلاء أعضاء في مجلس الشورى، وذلك لترويج الرأي الرسمي تحت غطاء الانتماء لمؤسسات المجتمع الأهلي، وآخرين تم منحهم الجنسية البحرينية، يقيمون إذ لم يكونوا يحلمون، في مدينة الضباب، وقد افتتحوا لهم مواقع إلكترونية وصحفا لتحقيق بعض الأهداف، بجانب ما تقوم به الشخصيات الحكومية من إبراز الجانب الإيجابي في علاقاتها الخارجية. ثم ما هو دور المنظمات التي تطلق على نفسها دولية، كمنظمة العفو، وبعض المنظمات الأخرى التي لا تتبع الأمم المتحدة والتي تدافع عن حقوق الإنسان في كل مكان، هل ما تقوم به تدخلا في الشأن الداخلي للدول، وهل هذا التدخل محرّما؟ وكيف نفسر منح اللجوء السياسي؟
ومع عدم توافقنا في المنهج السياسي المعارض لحكومة ملك البلاد مع بعض الأطراف التي حضرت الندوة، وبعضها موجود في لندن، والذين فقدوا بوصلة الصراع السياسي كما يتضح جليا في بياناتهم ضد رفاق الأمس وأخوتهم في الداخل، إلا أن تصوير الندوة بأنها تدخل خارجي في غير محله، فالمعارضة بكل أطيافها، سواء في الداخل أومن آثروا البقاء في الخارج، لا تسعى لتحقيق مكاسب فئوية ظالمة ضد الحكومة أو ضد أي طرف آخر، وليس في أجندة أكبر أقطاب المعارضة تقويض الأمن والنظام، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع ذلك الطرف من المعارضة، فإن الندوة حقوقية لا علاقة لها بدعم جهة ذات صفة حزبية سياسية ضد جهات أخرى. كذلك فإن مدير الندوة اللورد إيفبوري، تناول بالنقد مواقف الحكومة البريطانية تجاه الأوضاع الحقوقية في البحرين.
من جهة ثانية، فإن تجميد عمل الجمعيات السياسية من خارج قبة البرلمان والتعويل والاكتفاء بالعمل من داخل المجلس النيابي بالآليات المتاحة، يفتقد الكثير من الدقة، فالأسس السليمة التي توصل لذلك الهدف شبه معدومة، ولو كانت المسألة مجرد تطوير للمشروع الإصلاحي لملك البلاد ودفعه إلى الأمام، لما احتاج أحد بعد أكثر من خمس سنوات، للجوء لإيصال الصوت لخارج البحرين. غير أن التفوق الذي كرّسه الدستور المعدّل سنة 2002 للحكومة، ينفي إمكان ذلك من دون إرادتها، ويكفي ما جاء في المادة 81 ونصه: «... على أن تعطى الأولوية في المناقشة دائما لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة»، وبدلا من السعي لإصدار تشريعات تهدف لتقييد حرية السلطة تجاه الأفراد، فالحادث هو العكس تماما، وما حزمة القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة إلا دليلا على هذا التوّجه. ومعلوم أن الحكومة مازالت تشغل المجلس النيابي بمقترحات كثيرة، تجعل من الصعب على المجلس مناقشة مقترحات أعضائه النواب، خصوصا المتعلقة بتعديل القوانين المتعارضة مع الدستور.
ولعل في جدار المالكية و»حضور» الصيد التي نصبها المتنفذ، ما يكفي لدحض هذا الرأي. فبعد أكثر من خمس سنوات على تدشين عهد الإصلاح، فإن سيادة القانون مثلومة، فالقانون سواء كان قانونا عادلا أم أنه قانون بعيد عن روح العدل ويحتاج إلى تعديل، فإن التطبيق لكل تلك القوانين يتم بانتقائية بالغة. وبالتالي فإن الأمل في إصدار قوانين منصفة أو تعديل أخرى بعيدة عن الإنصاف، لا يعني للمواطن شيئا مادام الناس ليسوا سواء أمام تنفيذ القانون عليهم. وفي تصريح رئيس مجلس الشورى حديثا عن وجود ما يكفي من القوانين لحماية خليج توبلي المهدد بالفناء، ما يدلل على أن المشكلة في الجدية في التنفيذ، وستبقى هذه هي المشكلة الكبرى في ظل التفوق الكاسح للسلطة التنفيذية على سلطة التشريع والمراقبة البرلمانية.
لقد كان المؤمل من المعارضة أن تجعل من العمل من داخل البرلمان سندا ودعما لعمل الجمعيات السياسية، إذ أثبتت السنوات الماضية عدم كفاية الصوت النيابي، وكثيرا ما كرر بعض رموز التيار الإسلامي كالشيخ عيسى قاسم، وجوب التحرّك السلمي من قبل الشعب، وعدم السكوت حيال الكثير من الملفات، إذ لا يمكن الاكتفاء بالكتلة النيابية المعارضة والصوت من داخل قبة البرلمان.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1818 - الثلثاء 28 أغسطس 2007م الموافق 14 شعبان 1428هـ