نهايات شهر أغسطس/آب تحمل في نفسي ذكريات كثيرة غزيرة أثيرة ومؤثرة على مسيرة التوعية البيئية التي تصدينا لها في البحرين كمهتمين غير متخصصين قبل أقل من عقد منطلقين من اللقاءات إلى الانترنت إلى المهرجانات الجماهيرية إلى الندوات العامة لندرك أن الصحافة هي محطة من أهم محطات نشر الوعي البيئي.
فقبل خمس سنوات دخلت أنا وزميلي في الجهاد البيئي محمد كاظم إلى مبنى لم يكتمل بعد لألتقي ولأول مرة د.منصور الجمري وجعفر الجمري ونتحدث معهما عن صفحة بيئية في الصحيفة الجديدة التي «يقال» أنها ستصدر في البحرين بصورة يومية إلى جانب «أخبار الخليج» و«الأيام». اللقاء كان ناجحا ولطيفا قال لنا فيه د.منصور الجمري إنه يعدنا بدعم العمل الأهلي البيئي الذي روينا له حلمنا بشأنه. كان يعرفنا أكثر مما كنا نعرفه. وكان جعفر الجمري سعيدا فخورا بنا ينظر إلينا ويقرأ أحلامنا وأمانينا وحبنا لكل ماهو جميل في الوطن وكان يحب ذلك الحب فينا ويخطط لاحتضانه وبث روحه في البحرين من خلال «الوسط».
لأول مرة كان لنا صفحة بيئية أسبوعية كاملة ولأول مرة أشعر بالالتزام تجاه الكتابة ؛ أتحدث في محاضرات وندوات وورش عمل واجتماعات ونقاشات هاتفية طوال الوقت ولكنني لم أكن أكتب كل المبادئ البيئية التي أبشر بها والأطروحات البيئية التي نظرت بها للعمل الأهلي في البحرين،
لم أدونها في مقالات أو موضوعات كاملة، كانت أطروحاتي تصل إلى الناس فقط من خلال التصريحات الصحافية واللقاءات، تلك الوسائل التي تدخل في عملية نقلها لأطروحاتي عوامل عدة ومنها فهم واقتناع الناقل.
مسئولية صفحة بيئية تخاطب الناس بمختلف ثقافاتهم وأعمارهم وتقدم لهم الوعي البيئي الذي ننشده كانت مسئولية كبيرة وتحد جديد خضناه من خلال «الوسط». كيف نعرف ببيئات البحرين؟ كيف نعرف الناس بالقضايا البيئية المهمة وكيف نشجع مشاركتهم في الحل؟ كيف نقدم الحقيقة من دون أن نتسبب لهم في اليأس والإحباط؟ كيف نحرص على أن تكون كتاباتنا معبرة عما نؤمن به من دون أن تتسبب كتاباتنا في جدل لا يفيد البيئة؟
كتبت وجهزت كثيرا من المواد (بين معلومات وصور وتعليقات وموضوعات عميقة وأقاصيص ومشاركات أطفال وغيرها) تكفي لعدة أعداد كي أتيقن من مقدرتنا على الكتابة والمواصلة على الأخص وقد كنت أعرف أنني لن أكون في البحرين خلال وقت قصير.
سريعا بعد ذلك غادرت إلى المملكة المتحدة للدراسة، وتولى محمد كاظم وأعضاء جمعية أصدقاء البيئة مسئولية الصفحة، لكنني كنت احرص جدا على كتابة مقال أسبوعي وكانت معظم مقالاتي حينها عن السياحة البيئية وصون الطبيعة التخصص الذي أدرسه لأنقل للبحرين ما أتعلمه. أذكر أن الكتابة وطباعة ما أكتبه وإرساله (باللغة العربية) لم يكن دوما عملية سهلة ولكنني كنت أِبر بذلك الالتزام.
بعد فترة توقفت الصفحة وتوجهت «الوسط» إلى التحقيقات بدلا من الصفحات الثابتة ولم أعد أكتب أية مقالات أسبوعية. عندما أزور مقالاتي القديمة كنت أشعر بقيمة أن أكتب باستمرار. استمرت علاقتنا بـ «الوسط» من خلال نقل أخبارنا وآرائنا، حتى كان تهديد مزارع بني جمرة. أذكر حينها اتصالات مهمة جرت مع منصور الجمري وأذكر أن «الوسط» وقفت معنا وقفة تذكر لها في الدفاع عن إحدى مزارع بني جمرة حتى أننا نشكرها على تغير موقف مالك المزرعة بعد الحملة الإعلامية المكثفة وتغطية نداءات وبيانات ومحاولات واعتصامات الجمعية للدفاع عن المزرعة، فكان أن صرح لـ «الوسط» أنه يستصلح المزرعة ولا يقصد تخريبها وتوقفت آليات التدمير وكانت بداية لنجاح بيئي جميل، للأسف لم يستمر لعوامل أخرى سجلت في جمعية أصدقاء البيئة كدروس مستفادة أسهمت في زيادة تنظيم العمل الأهلي البيئي فيما بعد.
كان لبعض كتاب «الوسط» كسعيد محمد وقاسم حسين تأملات في عمل جمعية أصدقاء البيئة ومواقفها وكان للجمري مقال جميل كتبه عن الجمعية عبر فيه عن فهمه لروح الجمعية وحبه وتقديره لأعضائها، وطالما ذكروه. بعض من تولى أمر الصحافة البيئية لبعض الوقت في «الوسط» كأحمد الصفار وعلي الطريف ومنصورة الجمري كان لهم الدور المميز في تسليط الضوء على الحملات الوطنية التي قادتها جمعية أصدقاء البيئة والتكتل البيئي لحماية فشت العظم وكانت «الوسط» منبرا مهما عبر من خلاله النشطاء البيئيون عن آرائهم فيما يجري لبيئة البحرين.
ومنذ أكثر من عام وصحيفة «الوسط» بها عمود بيئي أسبوعي يتحدث بصدق ووضوح وقوة عن واقع البيئة في البحرين ويعرض آراء ورؤى بيئية لا تطرح في أي منبر صحافي آخر في البحرين، بل إن المقال ينقل أسبوعيا إلى المواقع البيئية العربية ويوزع على قوائم بريدية عدة وينتظره ويعلق عليه المهتمون بشئون البيئة العرب في كل مكان.
كل ذلك بدأ لدينا مع «الوسط» في أواخر أغسطس العام 2002، ولعل ما سيأتي لنا مع «الوسط» من أواخر أغسطس 2007 سيكون أجمل وأكثر قوة ونضجا وتأثيرا في حماية بيئة البحرين.
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1818 - الثلثاء 28 أغسطس 2007م الموافق 14 شعبان 1428هـ