طالبت غرفة تجارة وصناعة البحرين بإصدار قانون جديد ومتطور للإيجارات على اعتبار أن القانون القديم مضى عليه نحو ستين عاما ولم يعد متوافقا مع الاستثمار العقاري.
وفي تقديرنا أن هذا الطلب تضمن عدة سلبيات سببها الوقوع تحت تأثير رغبة بعض ملاك العقارات في مضاعفة قيمة الإيجارات عن طريق إخراج شاغلي البنايات المؤجرة وإعادة طرحها للإيجار من جديد على نحو ما جرى خصوصا في قطر ودبي، كما تأثرت الغرفة برغبة بعض سماسرة العقارات في العمل من دون ضوابط تحد من الآثار المترتبة على الارتفاع المستمر في الإيجارات، ومن ناحية أخرى فقد تبنت غرفة تجارة وصناعة البحرين هذا الموضوع على رغم أن قانون السجل التجاري لا يلزم ملاك العقارات بالانضمام إلى الغرفة، ومن ثم جاء طلبها بتعديل قوانين الإيجارات متجاوزا لنوعية الأعضاء المنتسبين إليها، ولا يشفع للغرفة رأيها أن قوانين الإيجارات الحالية لا تشجع الاستثمار وأنها تسعى بطلبها تعديل هذه القوانين إلى تنمية الاقتصاد الوطني، ذلك أن الواقع الماثل أمامنا في مملكة البحرين وفي بقية دول مجلس التعاون الخليجي يؤكد أن نسبة الاستثمار العقاري تحتل المرتبة الأولى بين نسب الاستثمار المختلفة وأن هذا الاستثمار تنوع بين إنشاء الجزر وتعميرها إلى بناء الأبراج السكنية والتجارية وغير ذلك من الأنواع، ولو أطل أعضاء الغرفة من نوافذ مبناهم لشاهدوا أمامهم مرفأ البحرين المالي، وعلى يمينهم برج الشيراتون وأبراجا متعددة في المنطقة الدبلوماسية وعلى يسارهم أبراجا شاهقة في منطقة السيف وفي السنابس ومن خلفهم أبراجا أخرى في منطقة الحورة الجديدة وغيرها من المناطق، وكنا نأمل أن تقدم لنا الغرفة إحصاءات تبين مدى تراجع معدلات الاستثمار العقاري في البحرين وأسبابه المتعددة، ومن ناحية أخرى كيف تدعي الغرفة أن قوانين الإيجارات السارية لا تشجع الاستثمار بينما قامت النهضة العقارية والعمرانية التي تشير إليها الغرفة في ظل هذه القوانين؟ ومن ناحية ثالثة فإن الغرفة لم تقدم لنا نماذج واقعية تبرر بها ادعاءها عدم توافق قوانين الإيجارات السارية مع تطور النهضة العقارية والعمرانية حتى يمكن معالجة أسباب عدم التوافق المزعوم عند تعديل هذه القوانين.
سلبيات زيادة الإيجارات
ينظم عقد الإيجار القانون المدني الصادر في 3 مايو/ أيار 2001 أي منذ نحو ست سنوات فقط، وتناول هذا التنظيم الشامل والمتكامل أحكام الإيجار عموما مبينا أركانه وآثاره والتزامات المؤجر والتزامات المستأجر والتنازل عن الإيجار والتأجير من الباطن وانتهاء عقد الإيجار ثم تناول بالتنظيم بعض أنواع الإيجار كإيجار الأراضي الزراعية وإيجار الوقف.
وترك هذا القانون للمؤجر والمستأجر الاتفاق بالتراضي فيما بينهما على تحديد قيمة الإيجار ومدته، ويلاحظ أن هذا القانون لم يتضمن إلغاء الإعلان رقم 42 الصادر في العام 01365 هـ الذي أعطى مؤجر البيوت المبنية بالحجارة والغرف الواقعة في المنامة والمحرق الحق في زيادة الأجرة بنسبة لا تجاوز 10 في المئة بعد سنة من بداية الإيجار ولمرة واحدة.
وعلى رغم أن الإعلان المشار إليه صدر منذ نحو ستين عاما فإن المشرع في ذلك الوقت كان واعيا ومدركا للآثار السلبية التي تترتب على الارتفاع المستمر في الإيجارات ومن أهمها تسارع معدلات التضخم التي تصدرتها حاليا دولتا قطر والإمارات فبلغت 10 في المئة و6.2 في المئة على التوالي، وأرجع تقرير مصرف الراجحي السعودي ارتفاع معدلات التضخم في هاتين الدولتين إلى عدد من الأسباب في مقدمتها ارتفاع الإيجارات بنسبة 6.5 في المئة وارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 5.8 في المئة.
ومن الآثار السلبية المترتبة على الارتفاع المستمر في الإيجارات التأثير على البيئة التنافسية للدول والمدن الخليجية وهو تأثير أدى إلى أن تقرر دولة الإمارات العربية المتحدة ما قررته البحرين منذ ستين عاما إذ قررت إمارة دبي قبل العامين تثبيت نسبة الارتفاع في الإيجارات حتى نهاية العام 2006 بما لا يتجاوز 15 في المئة ثم أصدرت قانونا يثبتها عند 7 في المئة بعد ذلك، وكذلك فعلت إمارات أبوظبي وعجمان والفجيرة ورأس الخيمة.
وتؤثر الزيادات المستمرة في الإيجارات على معدلات الادخار الأسرية وهو أمر أكده تقرير شركة المزايا القابضة المنشور في إحدى الصحف اليومية والذي جاء فيه أن كلفة إيجار المساكن بالمقارنة مع دخل الأسرة بلغت 33 في المئة في قطر و30 في المئة في الإمارات، ومن المعروف اقتصاديا أن انخفاض معدلات الادخار الأسرية يؤثر تأثيرا ضارا على القوة الشرائية وعلى الاقتصاد الوطني، ولعلة من المفيد في هذا المجال أن نشير إلى أن أحد الأسباب المهمة للأزمة العقارية في الولايات المتحدة الأميركية وما أحدثته من تأثيرات سلبية ضارة على البورصات في جميع أنحاء العالم كان هو انخفاض معدلات الادخار لدى الأسرة الأميركية.
وهكذا نرى أن التسارع المستمر في الإيجارات يلحق أضرارا متعددة بالاقتصاد الوطني، وأن ملاك الأبراج والبنايات السكنية يحددون قيمة الإيجارالشهري بالتراضي مع المستأجرين من دون تدخل المشرع ومن ثم فإنه لا يوجد مساس بمصالحهم ولا إضرار بعائد استثماراتهم الذي يقدرونه بحرية كاملة بل يفرضونه على المستأجر في كثير من الأحيان، وفضلا عن ذلك فإن الأمر الصادر في البحرين منذ نحو ستين عاما يمنع زيادة قيمة الإيجار عن 10 في المئة فقط ولمرة واحدة بعد السنة الأولى وهو ما أخذت به دول مجلس التعاون الخليجي أخيرا، وأن الأمر يتطلب شمول المساكن المؤجرة في جميع أنحاء المملكة بهذه القاعدة، وأخيرا فإن الأمانة كانت تقتضي من غرفة تجارة وصناعة البحرين الإشارة إلى أن المطلوب تعديله هو القانون المدني الصادر في العام 2001 وليس كما ورد في طلب الغرفة بصيغة مجهولة وغامضة قوانين الإيجارات عموما.
امتداد عقد الإيجار
أبقى القانون المدني على المرسوم بقانون رقم 9 الصادر في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني لسنة 1970م - أي منذ نحو خمسة وثلاثين عاما وليس ستين عاما كما تدعي الغرفة - والذي أعطى مستأجر العقار الحق في تجديد عقد الإيجار عند انتهاء مدته، ويستفيد من هذا الحكم كل مستأجر في عقود إيجار البيوت والبنايات الأخرى بحسب ما ورد تعريفها في قانون الإيجارات الصادر بالإعلان رقم 42 لسنة 1365 هـ والإعلان رقم 12 لسنة 1373 هـ والواقعة في المنامة والمحرق، وهكذا يحق للمستأجر الاستمرار في شغل العين المؤجرة ما دام يقوم بالوفاء بالتزاماته على النحو الذي فرضه عقد الإيجار وأحكام القانون إلا إذا رغب هو في التنازل عن تلك الرخصة وترك العين المؤجرة بشرط مراعاة مواعيد التنبيه والإخلاء.
ويسعى أصحاب العقارات في المنامة والمحرق إلى إلغاء هذا الحكم حتى يخلوها من مستأجريها ثم يقومون بتأجيرها لغيرهم بقيمة مضاعفة على النحو الذي حدث في قطر ودبي كما أشرنا من قبل، إذ أكد تقرير شركة المزايا القابضة السابق الإشارة إليه أن متوسط الإيجارات ارتفع خلال العامين الماضيين في الدوحة بنسبة 83 في المئة وفي دبي بنسبة 60 في المئة. ويصطدم هذا المسعى بعدة مشكلات وصعاب تتمثل في أن كثيرا من هذه البنايات مؤجرة كمرافق عامة تؤدي خدمة عامة مثل المدارس ورياض الأطفال والمستشفيات، كما أن كثيرا من المهنيين كالأطباء والمحامين والمحاسبين والمكاتب الهندسية يستأجرون بعض شقق هذه البنايات لاستخدامها كمكاتب لمباشرة أنشطتهم المهنية، فضلا عن أن كثيرا من العائلات البحرينية تستأجر شققا ومحلات تجارية في هذه البنايات وسيترتب على إلغاء المرسوم بقانون رقم 9 لسنة 1970 السابق الإشارة إليه خلو محافظتي المحرق والمنامة من معظم المدارس ورياض الأطفال والمستشفيات الخاصة ومكاتب المهنيين والمحلات التجارية لعجز مستأجريها عن سداد الإيجارات المرتفعة التي يطمع المؤجرون في الحصول عليها، فضلا عن تشريد الأسرالبحرينية التي تستأجر شققا في هذه البنايات.
على أنه يجب من ناحية أخرى مراعاة مصالح أصحاب هذه البنايات إذ يعتمد بعضهم في معيشتهم على قيمة إيجار المباني المملوكة لهم وحدها ويتأثرون بزيادة نسب التضخم وارتفاع الأسعار، ومن ثم فإن الحل المرضي لطرفي عقد الإيجار يفرض إعطاء الحق للمؤجر في زيادة قيمة الإيجار بنسبة معينة من القيمة المنصوص عليها في عقد الإيجار وذلك مرة واحدة كل خمس سنوات وبذلك نحافظ على القيمة الحقيقية لعائد ملكية المبنى المؤجر بمراعاة نسب التضخم والأسعار.
ضوابط التعديل
ولاشك أن المشرع في سعيه لتعديل أحكام عقد الإيجار في القانون المدني يجب أن يحقق مصلحة الاقتصاد الوطني والتوازن في العلاقة بين مصالح المؤجرين والمستأجرين والقضاء على صور استغلال الملاك لإخراج سكان العقار وإعادة طرحه للإيجار لمضاعفة القيمة الايجارية ومن أمثلة هذا الاستغلال الإدعاء بتجديد العقار على رغم صلاحيته للاستخدام فيما أعد له، وتحايل على مفهوم التجديد بإدخال عمليات المسح والتندير في إطاره وفتح الشقق بعضها على بعض في الدور الواحد وإعادة تأجيرها للشركات بالمتر المربع، وإخلاء البناية بحجة التجديد ثم تأجيرها قبل إتمام هذا التجديد أو عدم طرحها على المستأجر القديم أولا بعد إتمام التجديد.
وليس هناك شك في أن المشرع سيعمل على وقف التسارع المستمر في قيمة الإيجارات حفاظا على معدلات التضخم من التزايد وحرصا على الوضع التنافسي لمملكة البحرين وسعيا لزيادة معدلات الادخار الأسرية وما يترتب عليها من زيادة القوة الشرائية وتمكينا للأسر البحرينية والمغتربين كالقضاة والمستشارين والمهندسين وغيرهم من الحصول على السكن المناسب من دون أن تستهلك قيمة الإيجار أكثر من نصف دخولهم، فضلا عن تقرير سريان قاعدة امتداد عقد الإيجار على جميع محافظات المملكة.
وفي نهاية هذا المقال نطرح على غرفة تجارة وصناعة البحرين تساؤلا واحدا هو: إذا كانت السلطة التنفيذية وقتما كانت تملك سلطة التشريع رأت عند إصدار القانون المدني وهو القانون الأساسي العام لعقد الإيجار إلغاء قانون العقود لسنة 1969 وقانون المخالفات المدنية لسنة 1970 وقانون تنظيم ملكية الطبقات والشقق وذلك في المادة الثانية من قانون الإصدار، وأبقت على الإعلان رقم 42 لعام 1365 هـ والمرسوم بقانون رقم 9 لسنة 1970 السابق الإشارة إليهما وذلك مراعاة لمصلحة الاقتصاد الوطني وتحقيقا للتوازن في العلاقة بين المؤجر والمستأجر فهل تصورت الغرفة أن السلطة التشريعية ستغفل هذه المصلحة وذلك التوازن عند النظر في تعديل أحكام عقد الإيجار في القانون المدني أو عند إلغاء الإعلان والقانون المشار إليهما كما حاولت الغرفة تصوير الأمر وكأنه لا علاقة لهما بأحكام عقد الإيجار في القانون المدني؟
إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"العدد 1818 - الثلثاء 28 أغسطس 2007م الموافق 14 شعبان 1428هـ